بسم الله الرحمن الرحيم

 

"الدين المحلّي" "والوطنية الزائفة" والسيد المجاهد حميد الياسري

 

نبيل الكرخي

 

قيل في المثل: "لكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ ولِكُلِّ صَارِمٍ نَبْوَة". فلا تُنكَر المواقف الجهادية لسيد حميد الياسري (آمر لواء انصار المرجعية)، غير أنَّ ما صدر عنه في تصريحه الاخير من كلام غير مقبول فيما نسبه للامام الحسين (عليه السلام) من تعاليم لم نعهدها في تراث آل البيت (عليهم السلام)، نسأل الله سبحانه أن يتجاوز جميع المؤمنين ما يلم بهم من هفوات إذا صدقوا النيّة في إتِّباع تعاليم آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم) كما صدرت عنهم لا كما يحاول البعض تفسيرها وفق الأهواء والرغبات.

لقد حاول سيد حميد الياسري حشر مفهوم (الوطنية) بثورة الامام الحسين (عليه السلام) عنوة وبدون اي رابط بينهما، قال: (الحسين علمنا كيف نعيش، علمنا كيف نضحي، علمنا كيف نسير على الطريق الصحيح، علمنا كيف اذا ظهرت اصوات النشاز واصوات الفساد واصوات الظلم كيف يكون دورنا في هذه اللحظة، علمنا كيف ننتمي للاوطان، علمنا عقيدة حب الوطن، علمنا كيفية الولاء للوطن، علمنا ان من يتنفس هواء وطنه ويعيش بخيرات بلده لا يمكن ان تمتد عينه وقلبه وانفاسه الى ما خلف حدود هذا الوطن! لذلك من الامام الحسين تعلمنا ان من ينتمي للوطن ويوالي غير الوطن فإنها خيانة عظمى، فإنه دجل عظيم، وإنَّه خداع كبير! هكذا تعلمنا من الامام الحسين ايها الاحبة، هكذا درسنا في مدرسة الامام الحسين) الى آخر كلامه العجيب!!

وما نريد التركيز عليه هو محاولته لإقحام مفاهيم الثورة الحسينية الخالدة في "القضية الوطنية" التي هي قضية معاصرة عرفية مستحدثة وفقاً للنظام العالمي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الاولى وخسارة الدولة العثمانية للعديد من اراضيها لصالح الاحتلالين البريطاني والفرنسي ونفوذهما في شبه الجزيرة العربية! فالوطن هو تعبير معاصر، والعراق قد أقرَّت حدوده ومعالمه اتفاقيات سايكس بيكو 1916م ومقررات عصبة الامم التي تشكلت بعد الحرب العالمية الاولى. ولذلك فإن العراق، وطننا العزيز، بحدوده الحالية إنما تشكّل بفعل إرادة الاجنبي، ولم يكن معروفاً قبل ذلك كدولة واحدة، حتى في زمن العثمانيين كان العراق الحالي مكوناً من ثلاث ولايات تُدار بصورة مباشرة من ثلاثة ولاة مرتبطين بالباب العالي في الاستانة (السلطان العثماني). فالامام الحسين (عليه السلام) غادر وطنه الشرعي في المدينة المنوّرة طلباً للاصلاح في أمّة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فقدم الى بلاد غريبة هي ليست وطنه، وضحّى بنفسه الشريفة الطاهرة وبنفوس أهل بيته الاطهار واصحابه الاخيار من اجل الدفاع عن الدين الحق وإحيائه. وهكذا قدم القادة الايرانيون واللبنانيون الى العراق بعد سقوط ثلث الاراضي العراقية بيد داعش، ليقاتلوا في غير وطنهم ويستشهدوا في غير اوطانهم، دفاعاً عن الدين وعن مراقد الائمة الاطهار (صلوات الله عليهم) ودفعاً للمفاسد التي يمكن ان تحدثها داعش اذا استولت على بلاد المسلمين. فكيف لسيد حميد الياسري ان يتعلم ما ذكر انه تعلمه ونسبه للامام الحسين (عليه السلام)!! هل هو منطق الاستغفال أن تقول انك تؤمن بكذا وأنّك تعلمته من المعصوم (عليه السلام) دون ان تتضح حقيقة هذا التعليم واين وجده ومن الذي فسّره له وعلّمه إياه!!

إنّها "الوطنيّة الزائفة" التي تأسست وفقاً لمفاهيم المجتمع الدولي ومقررات عصبة الأمم والأمم المتحدة، وليست وفقاً لمقررات آل البيت الاطهار (عليهم السلام). "الوطنية الزائفة" التي تبحث عن ملاذ ووسائل لتتسلط على رقاب أهل الدين فتفرض عليهم مفاهيمها التي لم ينزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان!

إنَّ "عالمية الدين" هو احد المفاهيم والمطالب التي عمل الاسلام على ترسيخها في حياة المجتمع الايماني من خلال آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة عن آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم). وإنّي لأخجل أن أقوم بتوضيح الواضحات في هذه المرحلة خصوصاً للاجيال المؤمنة التي مرّت بتجارب حياتية متنوعة ابتداءاً من عهد البعث المقبور وعهد الطاغية الملعون ، ثم ما واجهه من ويلات الاحتلال الامريكي والتحدّي الطائفي والهجوم الداعشي البغيض، والفساد السياسي العارم الذي يكتنف الاحزاب والتيارات السياسية جميعها ولا يُستثنى منه أحد. ولعلّي اكتفي بآيتين قرآنيتين كريمتين أو ثلاث:

قال تعالى في الآية (71) من سورة التوبة: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)).

وقال تعالى في الآية (10) من سورة الحجرات: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)).

وقال تعالى في سورة الحجرات أيضاً، الآية (13): ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)).

فهل ورد في القرآن الكريم تمييز بين المؤمنين على أساس عرقي؟ ام هل ورد في القرآن تقسيم مناطقي للمؤمنين وحدود ودول؟! ام يا ترى هل جعل الله سبحانه وتعالى آدم (عليه السلام) خليفة في قارة آسيا وحدها دون الأرض جميعها؟!!

إنها عالمية الاسلام المستمدة من عالمية رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي خاطبه الله عزَّ وجلَّ بقوله في الآية (28) من سورة سبأ: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)).

ففي الدين الذي علّمنا إياه آل البيت الاطهار (عليهم السلام): الإله واحد والرسول واحد والاوصياء حالة واحدة متطابقة، والمجتمع الايماني واحد وإن تعددت مواقعه وبلدانه. فتراه سبحانه يخاطب المجتمع الايماني في كل مكان وبلد بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) ولم يميّز مجتمعاً عن آخر بحسب البلد والجغرافيا!

واختصاراً نقول إنَّ "الدين المحلّي" الذي يبشر به سيد حميد الياسري، والقائم على مفهوم "الوطنية الزائفة" هو دين غريب عن تعاليم آل البيت الاطهار (عليهم السلام)، وهو بذلك لا يكون مقبولاً من الله سبحانه وتعالى، فليس هو دينه الذي انزله للناس جميعاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لوازم الغلو في التفسير بالرأي لقوله تعالى: ((فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ))