قراءة شقشقيّة لمقال نقد الواقع الشيعي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نبيل الكرخي

 

المقدمة

في رجال الكشي عن الامام ابي الحسن الرضا (صلوات الله عليه) من حديث جاء فيه: (إذا كُنتَ على الصوابِ وكانَ إمامُكَ عنكَ راضياً لمْ يَضُركَ ما قالَ الناسُ).

نشر الموقع الالكتروني لمجلة (الاجتهاد)[1] بتاريخ 5 تموز / يوليو 2018م مقالا بعنوان (نقد الواقع الشيعي بين الأمل وخيبة الأمل)[2] وهو نصّ الخطاب الذي ألقاه البروفيسور السيد حسين المدرِّسي الطباطبائي[3] مطلع شهر تشرين الثاني 2008م، بحضور مجموعة من الطلبة المسلمين، في مدينة مونتريال ـ كندا. والمقال أيضاً منشور في الموقع الالكتروني (راديو زمانه) باللغة الفارسية بتاريخ 22 آذار / مارس 2009[4].

وقد عثرت على هذه المقالة في ايامنا هذه وهي من النوادر المعاصرة في موضوعها وشجاعة كاتبها في بيان الحق والتحذير من الغلو والمغالين الى جانب بعض المؤلفات الأخرى لشجعان آخرين التي تناولوا الموضوع بوضوح بيان وصدق. ورافق ذلك قبل فترة ما صدر عن سماحة المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) من (وصايا المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين بمناسبة قرب حلول شهر المحرّم الحرام عام 1441هـوهي وصايا غاية في الدقة والأهمية لما يحتاجه عموم المؤمنين في زماننا، وفي الوصية الثامنة فيها نقرأ قوله:

(وليحذر المبلّغون والشعراء والرواديد أشدّ الحذر عن بيان الحقّ بما يوهم الغلوّ في شأن النبيّ وعترته (صلوات الله عليهم)، والغلوّ على نوعين:

·        إسباغ الصفات الألوهيّة على غير الله سبحانه.

·        وإثبات أمور ومعانٍ لم تقم حجّة موثوقة عليها.

ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) خالٍ عن الغلوّ بنوعيه، بل هو أبعد ما يكون عنه، وإنّما يشتمل على الإذعان للنبيّ وعترته (صلوات الله عليهم) بمواضعهم التي وضعهم الله تعالى فيها من دون زيادة ولا إفراط، بل مع تحذّر في مواضع الاشتباه، وورعٍ عن إثبات ما لم تقم به الحجّة الموثوقة، وإنّما المتّقي من لا يغلو فيمن يحبّ كما لا يحيف على من يبغض، ولا يصحّ بناء هذه المعاني على مجرّد المحبّة، وتصديق كلّ من زاد شيئاً، والإذعان له بمزيد الإيمان، فإنّ ذلك يؤدّي إلى المزايدة في أمر الدين بغير حجّة، وحدوث البدع، وطمع الجاهلين، وترؤّس أهل الضلالة، وتراجع المتورّعين العاملين بالحجّة والمتوقّفين عند الشبهة، وذلك يمحق الدين ويرتدّ ارتداداً معاكساً بتفريط آخرين، والزيادة في العقيدة بغير حجّة موثوقة على حدّ النقصان فيها ممّن قامت عليه الحجّة عليها، ومن زاد اليوم شيئاً بغير حجّة زيد عليه غداً حتّى أنّه ليُتّهم بالتقصير والقصور، فلزوم الحجّة والميزان أحمد وأسلم)[5].

انظروا الى ما ورد بخصوص تعريف الغلو: (إثبات أمور ومعانٍ لم تقم حجّة موثوقة عليها) وقوله: (مع تحذّر في مواضع الاشتباه وورعٍ عن إثبات ما لم تقم به الحجّة الموثوقةفلو التزم المؤمنون بمضمون هاتين العبارتين لما حدث غلو عندهم على الإطلاق.

فوجدنا من المفيد استعراض هذا الموضوع المهم عبر قراءة لمحاضرة السيد حسين المدرسي مع التعليق والتذكير ببعض القضايا التي ربما تكون مفيدة للقارىء الكريم في الحذر من الانزلاق وراء الافكار المنحرفة المغالية أو تبني مواقف المغالين الذين اتخذ بعضهم عناوين كبيرة برّاقة ورنّانة! ومهما تكن تلك العناوين فهي تتصاغر أمام خطيئة الغلو التي تقترفها بقصد أو بغيره!

وغرضنا هو عرض بعض الاخطاء العقائدية التي يمارسها بعض رجال الدين[6] والخطباء وينشرونها بين الناس الذين يحسنون بهم الظن فيصدقونهم فيما يقولون وهم يظنون انه كلامهم هو من صميم الدين وحقيقته أنَّه من صميم الغلو في الدين من حيث يشعرون أو لا يشعرون، والتنبيه على خطأها وخطورتها وإنحرافها ليتجنبها المؤمنون الذين يطلبون مذهب آل البيت (عليهم السلام) نقياً صافياً كما نقله علماؤنا الأبرار في القرون العشرة الأولى عن الأئمة المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم)، قبل توغل واستفحال الآفات الثلاثة في التشيّع وهي: الغلو والتصوف والفلسفة، لظروف شتى ليست هي محل بحثنا هنا.

فمقالنا هذا هو تنبيه للمؤمنين الى ما موجود في الساحة الفكرية من إنحرافات تشوه أعظم عقيدة في الوجود وهي عقيدة آل البيت المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم).

فليس ارتفاع شأن رجل الدين او الخطيب عند الله عزَّ وجلَّ يكون بتوغله بمفاهيم الغلو، بل هو بالسنّة العامة التي أعلنها القرآن الكريم: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))[7]. وقوله تعالى: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))[8].

إن الإيمان والعلم والتقوى هي المعايير الحقيقية وليست أفكار ومفاهيم الغلو وزيادة تطرّفها!!

أيها المغالي أنتبه، فزيادة غلوّك لا يعني انك تحب آل البيت (عليهم السلام) أكثر من بقية المؤمنين الأتقياء من ذوي العقيدة السليمة والصحيحة.

ونحن في رسالتنا هذه استخدمنا وصف (العلماء الأبرار) لوصف علماء الشيعة الإمامية الاتقياء الورعين المحافظين على العقيدة والدين كما استلموه من أهل البيت المعصومين الأطهار (عليهم السلام) جيلاً بعد جيل الى يومنا هذا، وفي المقابل استخدمنا وصف (رجال الدين) لوصف اولئك المتلبسين بالزي العلمائي ممن خلطوا عقيدة الشيعة الإمامية ببعض مفاهيم الغلو أو التصوف أو الفلسفة.

 

تنامي تيار الغلو

قال السيد حسين المدرّسي: (الموضوع الذي نودّ تداوله اليوم ليس موضوعاً نظرياً، بقدر ما هو تعبير عن واقع يمرّ به المذهب الشيعي في يومنا الصعب هذا. فالحديث يدور عن تنامي وتقدُّم تيّار غاية في التطرُّف، والانحراف، والتحجُّر، والتخلُّف، على حساب أكثر مدرسة علمية وعقلانية، بل وأقوى مدرسة فكرية ومذهبية في العالم الإسلامي).

فمن المؤكد انَّ مذهب الشيعة الإمامية الذي يمثل مدرسة آل البيت (عليهم السلام) يمتاز بثلاث نواحي مهمة الأولى أنّه يمثل الاسلام الأصيل من خلال عقيدته الأصيلة المنتمية للأئمة الأطهار (عليهم السلام) والثانية أنّه المذهب الذي يمتاز بحرية التفكير والاستناد الى العقل، فلم يكن فيه تحجّر ولا انغلاق على مختلف الافكار والقضايا المطروحة في الساحة الفكرية. والثالثة أنَّ باب الإجتهاد الفقهي فيه مفتوح منذ بداية عصر الغيبة الكبرى والى اليوم. فالمذهي الشيعي الامامي وهو يمتاز بالحيوية والقابلية على التجدد في ظل القرآن الكريم ومرتكزات روايات آل البيت الأطهار (عليهم السلام) حينما يظهر في داخله بعض الاتجاهات المتطرفة والمتحجرة فهذا يعني انَّ هناك عدم انسجام يعرقل مسيرته ويشوهها، أو هو كالضباب الذي يحيط به ليمنع الآخرين من رؤية النواحي الثلاثة الناصعة أو الجوانب المنيرة فيه. ولذلك نجد السيد المدرسي يقول: (لقد تسبَّبت هذه الظاهرة بالعديد من الأضرار الجسيمة لمجمل المصالح والأهداف السامية التي قام عليها المذهب، وهي اليوم تهدِّد منظومته الفكرية والنظرية والعملية برمّتها، وترسم صورة قاتمة لمستقبل التشيُّع).

فالاضرار الجسيمة تكون حينما تنقلب واجهة المذهب - التي كانت محط جذب للعديد من المستبصرين الذين اعلنوا تشيعهم والمبنيّة على نصاعة وحقّانيّة مذهب آل البيت الأطهار (عليهم السلام) - الى نحو جمود وتعنت فكري وغياب لأتباع الدليل المُقنِعْ والصحيح في القضايا العقائدية والفكرية والتي تدل بمجملها على وجود تطرف نتيجة تغليب العاطفة والهوى على الحقائق التاريخية ومعطيات التراث المتلقى يداً بيد عن آل البيت المعصومين الأطهار (عليهم السلام).

 

التياران داخل التشيّع منذ العصور الاسلامية الاولى

ويستمر السيد حسين المدرسي بقوله: (ولنبدأ بالحديث تأريخياً: فمنذ العصور الإسلامية الأولى شهد المذهب الشيعي ظهور اتجاهين أو تيارين، على غرار ما ظهر في المذهب السنّي وغيره من المِلَل والنِّحَل.

الأوّل: اتجاه علمي، يرى أن الأئمة الأطهار هم الأَوْلى بخلافة النبيّ، وهم أحقّ بقيادة الأمّة سياسياً وعلمياً ومعنوياً، والمرجع الأعلى المسؤول عن بيان العقيدة والمعارف والأحكام، وهم المظهر الأبرز والتجلّي الأكمل للبُعْد المعنوي والأخلاقي. ويبني هذا الاتجاه رؤاه على العقل والاستدلال والاعتدال والتعاطي مع العالم الخارجي للمجتمع الشيعي، متفاعلاً مع الواقع العلمي والثقافي الذي يعيشه.

والآخر: اتجاه شعبي جماهيري، ينطلق من العلقة والعاطفة الشديدة تجاه أهل بيت النبيّ، ويستمدّ مادته الفكرية عبر تجليل شخوصهم، وإبراز فضائلهم ومقاماتهم[9]، واستشعار الألم بسبب ما تعرَّض له (الأئمّة الأطهار) من ظلمٍ. ويستند في معتقده على تحليلٍ تاريخي خاصّ به، وكذلك على مسموعات تحكي فضائلهم ومقاماتهم، والمصائب التي وقعت عليهم).

ولا يخفى أنَّ الاتجاه الأول هو الاتجاه الذي يمثله المراجع والعلماء الأبرار والمؤمنون الملتزمون بمنهجهم وتقليدهم واخذ علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله) عنهم. امّا الإتجاه الثاني فقد كان في القرون الماضية يمثله الذين يتصدون لبيان مظلومية آل البيت (عليهم السلام) من خطباء وشعراء ومن يؤثرون فيهم من وجهاء وأعيان وشعراء، وعموم الناس المتأثرين بالخطاب العاطفي والبعيدين عن الاجواء العلمية والحوزوية.

وبمرور الزمان تطور هذان الاتجاهان وظهرت اتجاهات اخرى، يمكن ان نلخصها بالتالي:

الأول يمثله العلماء الأبرار المتمسكين بتعاليم آل البيت الأطهار (عليهم السلام) والرافضين لخلط تعاليمهم (عليهم السلام) مع مجمل قضايا الغلو والأفكار الفلسفية والصوفية فيما يخص العقيدة الاسلامية. ومع هؤلاء العلماء طلبة علم حوزويون ومؤمنون مثقفون بثقافة دينية أصيلة وعامة المؤمنين الواعين لضرورة الإبقاء على تعاليم آل البيت الأطهار (عليهم السلام) نقية خالية من أي شائبة.

والاتجاه الآخر فيه رجال دين وحوزويون ومثقفون ولكن رؤيتهم أنَّ تعاليم آل البيت الأطهار (عليهم السلام) فيها ما دلالته ظاهرية وفيها ما دلالتها باطنية، وذهبوا الى أنَّ الدلالة الباطنية لتلك التعاليم هي دلالات باطنية مغالية أو صوفية أو فلسفية أو جميعها!

ويمكن على سبيل التبسيط أن نقرر وجود حالياً الإتجاهين التاليين:

1-الاتجاه العلمائي المحافظ على الاصالة الدينية (إتجاه العلماء الأبرار). ومعه: الاتجاه الخطبائي المحافظ. ويمثل هذا الإتجاه العلماء الأبرار أساطين مذهب الشيعة الإمامية والذين بلغوا مرتبة القيادة الدينية للمجتمع الشيعي والمرجعية العامة للشيعة، وهو الخط العلمائي الذي ينتهي في زماننا الى السيد ابو الحسن الاصفهاني والسيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد الكلبايكاني والسيد السيستاني.

2- الاتجاه الكهنوتي[10] ويمثله بقية الاتجاهات الفكرية التي تخالف الإتجاه الأول، ويشمل رجال الدين المؤمنين بالأفكار الصوفية العرفانية وكذلك نقيضه رجال الدين المحاربين للعرفان الصوفي[11]ومع ذلك تغلغلت في فكرهم بعض الأفكار الصوفية كفكرة الفيض[12] و"الحقيقة المحمدية" وأفكار مغالية اخرى، ويمثله رجال الدين المتزين بالزي العلمائي ويحملون أفكار واحدة من الأفكار الدخيلة للثلاثي المشؤوم: (الغلو – التصوف – الفلسفة)[13] أو احدها، ومعه الاتجاه الخطبائي  الكهنوتي.

وبين هذين الاتجاهين، إتجاه العلماء الأبرار وإتجاه رجال الدين الكهنوتي، يظهر الصراع الفكري والتنافس في الانتشار في المجتمع الشيعي وكسبه الى جانب مبادئه الدينية التي يؤمن بها، وهو جزء من الصراع بين الحق والباطل في كل زمان ومكان.

 

 

الاتجاه الجماهيري الخاضع للعاطفة

ويضيف السيد المدرسي: (وخلافاً للاتجاه الأول، فإنّ الاتجاه الثاني[14] اتجاهٌ انطوائي متقوقع. وبسبب ما يحمله من شحنة عاطفية كبيرة، ذات إطار عقائدي ونظري، فهو ينعكس على سلوكه وممارساته، مما يدفعه أحياناً للاصطدام بالآخرين أو اللجوء إلى العنف، بنمطَيْه: اللغوي؛ والجسدي).

وربما يصح أن نذكر نموذجاً للعنف المشار اليه من قبل أتباع الاتجاه الثاني الجماهيري الذي يخضع للعاطفة فتتحكم به وتخرج به احياناً عن الموازين الشرعية، فنذكر حادثة ذبح السيد حسن (رحمه الله) ابن المرجع العام السيد أبو الحسن الاصفهاني (رضوان الله عليه) أنتقاماً من فتواه بإبطال التطبير وأنَّه ليس من الشعائر الحسينية!

لقد كان السيد ابو الحسن الاصفهاني (رضوان الله عليه) جبلاً من التقوى والصبر والعزيمة في التصدي لأهل الباطل والضلال، بدءً من الاستعمار البريطاني ومروراً بالطاغوت الملكي مع التصدي للظواهر الاجتماعية التغريبية وللأفكار الضالة كأفكار الفلاسفة والمتصوفة ثم تنزيه الشعائر الحسينية عن إلصاق التطبير بها. فعانى ما عاناه من نفي وفقدان للأبن ذبيحاً، فسلام عليه يوم مات ويوم يبعث حيّاً.

 

التعايش بين التيارات الفكرية الشيعية

وقال السيد حسين المدرسي: (وبمرور الوقت استطاع كلٌّ من الاتجاهين التعايش جنباً إلى جنب، والمساهمة ــ كلٌّ بحَسَب دَوْره ــ في نمو وتطوّر الفكر الشيعي. فالاتجاه الأول وضع أسس الفكر الشيعي، فيما تولّى الاتجاه الثاني إيقاد شعلة المحبة تجاه أهل بيت النبيّ، وحاول بأيّ شكلٍ من الأشكال إبقاءها متَّقدة على مدى العصور، ومن أجل ذلك اضطرّ لدفع ثمنٍ باهظ، كلَّفه العديد من الأرواح في بعض الأحيان).

ولا يخفى أنَّ الإتجاه الأول العلمائي التقليدي هو أيضاً قد أضطر لدفع ثمن باهض في الأرواح وعبر العصور. ويمكن أن نستذكر الشهيدين الاول والثاني.

كما أنَّ الذي ساهم في نمو وتطور الفكر الشيعي وتناقله عبر الاجيال حتى وصل الينا هو الاتجاه الأول العلمائي المحافظ والذي ساهم أيضاً في ازدياد رقعة التشيّع في بلدان مختلفة بين عامة المسلمين. وللاتجاه العلمائي خاصية في إمكانيته التأثير على النخبة من الأفراد، سواء الملوك والسلاطين أو العلماء من مذاهب واديان اخرى. فالعلماء هم الأمناء على العقيدة والشريعة. وكل انحراف حدث في القرون العشرة الأولى إنما بسبب إبتعاد المنحرفين عن الإلتزام بكلام العلماء بالاضافة الى المشاكل الأخرى من قبيل انحراف البعض من المتزين بزي رجال الدين وراء الأفكار الصوفية كحيدر الآملي وملا صدرا والاحسائي وما أحدثوه وأتباعهم من خلل وانحرافات في العقيدة والمنهج الشيعي الأصيل بإتباعهم للتراث الصوفي لإبن عربي وغيره، وخلطه بتراث آل البيت المعصومين الأطهار (عليهم السلام)!

 

 

الامامة هي العامل المشترك بين عموم الشيعة

وقال السيد المدرسي: (إن العامل المشترك الذي يجمع كلّ أتباع أهل بيت النبيّ هو الاتفاق على فضائلهم المعنوية، وحقّهم الإلهي بخلافة النبيّ. هذا بالرغم من الاختلاف في تقييم بعض المصادر والأخبار، وبتبع ذلك حدود الولاية المعنوية التي يرسمها كلُّ اتّجاه لهؤلاء العظماء، ممّا يؤدِّي أحياناً إلى التصادم بين الاتجاهين. فالاتجاه الثاني؛ ونظراً للتعلّق العاطفي الشديد بالأئمّة الأطهار، يرى أنّ أولوية التشيّع تتلخَّص في التركيز على فضائلهم ومقاماتهم[15]، وبذلك يرحِّب بكلّ ما يرده من مسموعات تروي كراماتهم ومعاجزهم، وكلّ جيل يضيف عليها من ذلك شيئاً ما).

فنجد من وسائل الاتجاه الثاني الذي يشمل هنا أيضاً رجال الدين الكهنوتيين والخطباء التابعين لهم فكرياً هو الاعتماد على أي كتاب تراثي تصل اليه ايديهم! وهي عادةً ما تكون من كتب الوجادة، أي الكتب التي تظهر فجأة في عصر معين بعد اختفاء وانقطاع تداولها بين العلماء لفترة تمتد الى عدة قرون تفصلها عن العصر المفترض لتدوينها، فتكون مصداقية محتواها أقل بكثير لأننا لا نعرف مدى انطباق الكتاب الموجود المنسوب الى مؤلفه مع الكتاب الذي تم تأليفه بيد مؤلفه فعلاً! وكذلك بعض الكتب المجهولة المصدر والعتيقة فيعتمدون على بعض ما ورد فيها. وربما تأثروا بأسلوبهم هذا في التعامل مع كتب التراث بمنهج كتاب (بحار الأنوار) حيث أراد العلامة المجلسي (طاب ثراه) جمع كل ما يصل الى يديه من كتب منسوبة الى تراث آل البيت الأطهار (عليهم السلام) بغض النظر عن مصداقيتها أو صحتها وحتى مع مجهولية مؤلفي بعضها، وهو نفسه كان يصرّح بمجهوليتها ولم يكن يدلّس، وهذه نقطة تحسب له لا عليه. بينما نجد ان الكتب الشيعية المهمة كالكتب الأربعة (الكافي – التهذيب – الاستبصار – من لا يحضره فقيه) وغيرها من الكتب المعتبرة قد تناقلتها اجيال العلماء يدأ بيد، حتى وصلت الى زماننا هذا، وهذه الطريقة الموثوقة والمعتبرة لتداول الكتب الدينية تسمى بالمناولة، جيلاً بعد آخر.

فأغلب المشاكل الفكرية التي يتسبب بها جانب من خطباء الاتجاه الثاني الذي يمثله "رجال الدين" إنما سببه اعتمادهم في نشر المعلومات من على المنابر الحسينية دون فحص وتحقيق وبالاستناد الى "كتب الوجادة" التي لا توجد موثوقية عالية بصحة محتواها!

 

"نزهونا عن الربوبية" وإهمال موازين النقد العلمي للروايات

واضاف المدرسي: (ومن جهةٍ ثانية يأمل هذا الاتجاه من كلّ أتباع أهل البيت أن يسيروا وفق منهجه، ويفكِّروا كما يفكِّر، ويرجئوا العقبات النظرية، كموازين النقد العلمي للأخبار والأحاديث، إلى مجالاتٍ أخرى غير ما يتعلَّق بمسألة أهل البيت. وينسبون حديثاً إلى الأئمّة، تأييداً لرؤيتهم هذه: "نزِّهونا عن الربوبية، وقولوا فينا ما شئتم"[16]).

فالاتجاه الخطبائي بالاضافة الى اعتماده على كتب الوجادة في الغالب، فإنَّه أيضاً يعتمد على مجموعة من الروايات التي تكون امّا مصدرها تلك الكتب أو مصادر مجهولة. وبخصوص الحديث الذي أشار اليه نقرأ ما كتبه الشيخ جويا جهانبخش: (إن الغلوّ ـ الذي هو على حدّ تعبير بعض المحقِّقين المعاصرين في الشأن الديني: «أشدّ خطراً على الإسلام من الحروب الصليبية والهجمة المغولية» ـ قد حمل معه منذ عصر أئمّة الهدى ـ عليهم آلاف التحية والثناء ـ إلى يومنا هذا، ومن حينٍ لآخر، أنواع الابتلاءات والمشاكل التي طالت المجتمع الشيعي. لقد عمد جماعةٌ من عقلاء العلماء ونُخَب الشيعة ـ ولا سيَّما في الأزمنة الغابرة ـ إلى التحذير بوعيٍ من مغبّة الغلوّ، ومناشئه، والذرائع التي تؤدّي إلى بلورته وظهوره. وفي المقابل كان الغلاة يتصدّون ـ على الدوام ـ للدفاع عن أنفسهم وعقائدهم، من خلال التمسّك ببعض النظريات التي يلجأون إليها؛ لتبرير غلوّهم. ومن الأمور التي تذرَّع بها الغلاة منذ القدم؛ لتبرير مذاهبهم، ما اشتهر على الألسن، وجرت به الأقلام، من القول: «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا فينا (أو: في حقّنا، أو: في فضلنا) ما شئتم»، والتي تنسب من حينٍ لآخر إلى أئمّة أهل البيت (ع)، في معرض الدفاع عن الكثير من المتبنّيات والروايات الصادرة عن المتهمين بالغلوّ من قبل خصومهم)، ثم يقول في موضعٍ تالٍ: (لقد كانت عبارة «نزِّلونا عن الربوبية و…»، وغيرها من العبارات المقتضبة الخيالية المشابهة لها، تمثِّل الكنز الرئيس لعقيدة الغلاة والحشوية، ولا سيَّما من القرن الهجري الثاني عشر إلى القرن الرابع عشر، ولا تزال تداعياتها وآثارها عالقة في أذهان وألسنة الكثير من المتديِّنين، بل وحتّى المختصّين في الشأن الديني. وإن الخلاص من هذه الإلهيات المشوّهة، ونفض الغبار عن صفحة الدين والتوحيد الإسلامي الخالص، ومفهوم الإمامة الشيعي المعقول، رهنٌ بتطهير الفكر الكلامي المعاصر من الشوائب، وفصل رواسب الغلوّ العالقة به، والحكم الصحيح بشأن هذا النوع من العبارات، وتفسيرها بشكلٍ صائب. من هنا يبدو من الضروري وضع عبارات من قبيل: «نزِّلونا عن الربوبية و…» في ميزان التحقيق، والنظر إليها بتدقيقٍ وإمعان وإنصاف؛ للعثور على جذورها، والوقوف على مفهومها، ومتى تجلّت على صفحة تاريخنا الفكري والثقافي؟ وما هي الاتجاهات التي سلكتها؟ 

في ما يتعلّق بعباراتٍ من قبيل: «نزِّلونا عن الربوبية و…»، ولا سيَّما في القرون اللاحقة، نشاهد في الغالب ردود فعل عاطفية، أكثر منها انتقادية علمية عقلانية، وهذا ما يؤكِّد ضرورة التحقيق والتدقيق بشأنها.

يذكر فقيه العصر الكبير الشيخ هادي نجم آبادي[17]، في معرض المسائل التي يسوقها بشأن المسار التاريخي لتحوُّل وتطوّر المجتمع الإمامي، أن عموم الشيعة؛ حيث يعتبرون الولاية ومحبّة الأئمة الأطهار(ع) وسيلة نجاتهم، «كانوا لحبّهم لهذا الأمر يقبلون كلّ خبر أو أثر أو رؤيا تشهد على ذلك، ولا يسعون إلى تصحيح وتنقيح سندها، بل يعتبرونها ـ من أجل ذلك ـ أمراً مسلَّماً لا غبار عليه. وحيث يعثرون على رواية متشابهة يعمدون إلى تأويلها وتوجيهها بشكلٍ يتطابق مع مرادهم، ويجعلونها مؤيِّداً لما يعتقدون. فمثلاً: حيث يعثرون على رواية تقول: «نزِّلونا عن الربوبية وقولوا في حقّنا ما شئتم» كانوا يقولون: كلّ ما يقال في حقّ هؤلاء من الصفات الربوبية يجب قبوله، ولكنْ بعد حصر الصلاحيات العامة في الأمور بيد الله تعالى، وكلّ ما وراء ذلك من الاعتقاد بوساطة هؤلاء [الأئمة الأطهار] في أيّ مقامٍ كان لا يعتبر غلوّاً في حقِّهم، بمقتضى هذه الأخبار…». إن مثل هذا الفهم، الذي حمل الشيخ نجم آبادي على تجريد يراعه لوصفه، على الرغم من وقوعه واشتهاره يبدو لعقل الباحث مثاراً للعجب. وفي ثقافتنا المتأخرة ـ وخاصّة بين الصوفيين والمتفلسفين، وكذلك بعض الأخباريين المتطرِّفين ـ نجد الكثيرين ممَّنْ لا ينظرون بجدّية إلى نقد سند الكلام المنسوب إلى الأئمة (ع)، ولا يحملونه على محمل الجدّ. ولكنّنا نتوقَّع من نفس هؤلاء ـ بمقتضى انخراطهم في سلك «أولي الألباب» ـ أن يفكِّروا ـ في الحدّ الأدنى ـ في لوازم وتبعات ما يفهمونه من الكلام، وينسبونه إلى «دين الله»، وأن لا يحكموا عليه بغير علمٍ. إن فهم مثل هذا المعنى الواسع لـ «ما شئتم»، والقول بإمكان كلّ مقام وفضيلة مرويّة، وكلّ منقبة منقولة، بل وحتّى الذهاب إلى أكثر من ذلك في هذا الشأن، إنما ينشأ من عدم الالتفات إلى «فقه الحديث» ودراية الكلام. إذن نحن بدورنا نقدّم الدراية في هذا المقال على الرواية، لننظر أوّلاً ـ وقبل التعرُّض لسند هذه العبارة ـ هل هذا الفهم الموسَّع لعبارة «ما شئتم» صحيحٌ أم لا؟)[18].

 

جنود الله وحرّاس العقيدة

ويستمر السيد المدرسي بقوله: (أمّا المنهج الأول فيضمّ نخبة العلماء والمفكِّرين ودعاة الاعتدال والعقلانية في المجتمع الشيعي. ويرى هؤلاء أن من واجبهم الحفاظ على المعتقد، وحماية الأسس الفكرية للمذهب الشيعي، والتصدِّي لـ «تحريف المغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». لكنّ هاجسهم الأكبر خطر تعرُّض أتباع المنهج الثاني للابتذال والتطرُّف والانحراف؛ نتيجة تركيزهم على المحبّة والعاطفة الشديدتين). وسبيل العلماء الأبرار في الحفاظ على المعتقد يتطلّب رعاية الجانب العلمي في تمحيص الروايات، ومن جانب آخر يراعون الظروف الموضوعية التي تحيط بهم من جهة والتي تحيط بمقلديهم وعموم الشيعة من جهة اخرى، فيراعي العلماء مصالح عموم الشيعة ويرجّحون بينها بما هو أفضل لحفظ عقيدة الشيعة ووجودهم وكرامتهم ودفع يد السوء والفتن عنهم بأفضل طريق ووسيلة وأسلمها. ولذلك نجد أغلب العلماء يتجهون لأسلوب التوعية الهادئة في التنبيه على الانحرافات والأخطاء في العقيدة التي تظهر هنا أو هناك، عن طريق إجابة أستفتاء على سبيل المثال أو تصريح هاديء، ويتجنبون أسلوب التصعيد في المواقف لكيلا يستغله خصوم الشيعة والمندسون بينهم لإيقاع أكبر خسائر بينهم في الأرواح والتلاحم والتآزر والإنسجام المذهبي.

 

دور النخب الشيعية

ويضيف بقوله: (ولطالما وجدت النخب أن معتقدات وسلوك هذه المجموعة تتناقض مع الأسس الكلامية والموازين العلمية، لذا دأبت على دعوتهم للاعتدال، ورعاية الأسس، الأمر الذي قُوبل غالباً بالرفض والامتعاض). وهنا ياتي دور النخب المثقفة التي يجب أن تتمتع بمواهب متميزة وعوامل عديدة لتتمكن من النهوض بدورها، منها:

* الوعي بدور أهل البيت (عليهم السلام) في قيادة الأمة.

* الحصانة العقائدية.

* التسليم لتوجيهات المرجعية العامة.

* الفهم الفقهي الصحيح.

* التمسك بالجماعة الصالحة.

* التمسك بالعمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الضوابط الشرعية.

والنخب الثقافية هي أداة المرجعية العامة وحلقة الوصل بينها وبين جماهيرها، فمن خلالهم يتم تفهيم الجماهير مطالب المرجعية العامة القائدة وبث الوعي فيهم والأرتقاء بمواقفهم وفهمهم.

ولكن اذا انجرفت بعض النخب وراء بعض رجال الدين ظانّين فيهم الصلاح لاسيما من المتلبسين بثوب العرفان[19] والتقوى فاعتنقوا افكارهم المغالية والصوفية العرفانية - العرفان النظري - فيصبح اولئك النخب عبء جديد على العلماء والخطباء المحافظين على العقيدة {حرّاس العقيدة} يعارضونهم ويقاومونهم وينصرون خصومهم من جبهة الكهنوت المغالية والعرفانية الصوفيّة!!

 

التعايش والاحترام بين التيارات الشيعية

ويقول السيد المدرسي: (لكنْ مع كلّ ذلك، ما لم يكن يطرأ موضوعٌ خلافي حادّ فإنّ التعايش السِّلْمي بين الاتجاهين كان هو السائد غالباً، يستوعب أحدهما الآخر، ولا يُقْدِم أحدهما على إخراج الآخر من دائرة التشيُّع، أو يكفِّره، أو يهدر دمه. فعلى سبيل المثال: نجد الشهيد السعيد والعالم الجليل القاضي نور الله الشوشتري، الذي كان مستبسلاً في الذَّوْد عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، ينفي بشدّة في «أسئلته اليوسفية» الاعتقاد بعلم الإمام على نحو العلم الحضوري والكشف التفصيلي لسائر أنحاء الوجود (لا على نحو الاكتساب و«التعلُّم من ذي علمٍ»، والذي هو أيضاً كان على نطاق محدود، وليس بكافة تفاصيل الواقعة أو الحَدَث)، ومع ذلك ليس هناك مَنْ يصفه بالمعاند أو المكابر، أو المنكر لفضائل الأئمّة الطاهرين؛ بسبب عقيدته هذه).

وذلك لأن زمان القاضي الشوشتري (956- 1019)هـ كانت فيه شوكة رجال الدين والخطباء المتأثرين بأفكار المفوضة والغلاة ومتصوفة الشيعة، ضعيفة لا تجرأ على توجيه النقد له، بل ربما كان لضعف وسائل الطباعة والاعلام آنذاك دور في عدم شيوع افكار الغلاة والمفوضة وضعف شوكتهم وعدم وجود قاعدة جماهيرية مؤثرة آنذاك.

ومن الجدير بالذكر أنّه كما أنَّ للقاضي الشوشتري، الميزة التي ذكرها بعقيدته بخصوص علم الإمام (عليه السلام) فقد كان له إخفاق خطير بتمجيده شخصية إبن عربي والذي يكشف عن تأثره من جهة أخرى بالتيار الصوفي الذي بدأ يخترق التشيّع في تلك الأزمنة، حيث نجده في كتابه (مجالس المؤمنين) يمدح ابن عربي الصوفي ويقول: (أوحد الموحدين محي الدين بن محمد بن علي العربي الطائي الحاتمي الأندلسي قدّس سره العزيز، كان من بيت فضل وجود، وصعد من حضيض التعلقات والقيود الى أوج الإطلاق والشهود، وتتّصل خرقته بـ "حضرة الخضر"، والخضر كما صرّح مولانا قطب الدين الأنصاري صاحب "مكاتيب خليفة" الإمام زين العابدين عليه السلام. وروى الشيخ أبو الفتوح في تفسير هذه الآية، قال: ((فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض)) إن الخضر قال: أنا وبعض الأولياء من موالي علي عليه السلام ومن جملة الموكلين بشيعته، وسمع من بعض دراويش سلسلة "النوربخشية" إن كل من أدعى ملاقاة الخضر أو نسب إليه خرقته من مشايخ الصوفية فإن ذلك اعتراف منهم في الحقيقة بإلتزام مذهب الشيعة وإشعار منهم بعقيدتهم في الإمامة)[20].

بل ووصف القاضي الشوشتري في كتابه (مجالس المؤمنين) سيد حيدر الآملي احد أبرز المساهمين بتسرب التصوف الى التشيّع بأنَّه (سيد الموحدين)[21]!!

وربما اصطفافه ضمن متصوفة الشيعة هو الذي دفع اولئك الذين أشار اليهم السيد المدرسي للسكوت عنه لكونه من ضمن تيارهم الصوفي رغم أن رأيه مختلف في النقطة التي أشار اليها حول علم الإمام (عليه السلام)!

 

تشخيص السيد الخوانساري لبعض مواطن الغلو

ويستمر المدرسي بالقول: (كما لا نجد مَنْ يتطاول بالإهانة على المحقِّق الجليل والفقيه الإصفهاني البارز في العصر القاجاري، السيد محمد باقر الخوانساري، صاحب كتاب (روضات الجنات)؛ بسبب ما أورده في كتابه هذا، في ذيل حديثه عن سيرة الحافظ رجب البرسي، من تشكيكٍ في وثاقة واعتبار كتب الفضائل القديمة، وتطرُّف مؤلِّفيها، الذي تسبَّب بظهور تياراتٍ كالشيخية والبابية).

يقصد السيد المدرسي ان الغلو في ذلك الزمان لم يكن متمكناً في المجتمع وفي الزوايا الدينية بحيث يتمكن أن ينتقد خطاب السيد الخونساري (1226- 1313)هـ رغم قساوة ذلك الخطاب! في حين ان نفس هذا التيار المغالي اليوم اصبح له صولة وجولة في بعض الحوزات والمؤسسات والأجواء الدينية وفي عالم التواصل الاجتماعي وبعض المنابر التي تتاجر بالقضية الحسينية وتنشر افكار غلو وتصوف وتطرف ما انزل الله بها من سلطان ويمكنها ان تعمل على تسقيط الصوت الصادح بالحق والمعارض لها وتتهمه بالتقصير في موالاة آل البيت الأطهار (عليهم السلام) ومعرفة حقهم!

وترجمة الشيخ رجب البرسي في روضات الجنات للسيد محمد باقر الخوانساري، المشار اليها آنفاً، نعرضها للفائدة امام القارىء الكريم، ونصّها:

(المولى العالم والشيخ المرشد الكامل والقطب الواقف الانسى والانس العارف القدسى رضى الدين رجب بن محمد بن رجب المعروف بالحافظ البرسى‌. سكن حلّة المحروسة وأصله من قرية برس الواقعة بينها وبين الكوفة كما فى «القاموس» وضبطه بضمّ الباء الموحّدة واسكان الرّاء والسّين المهملة، وهى قرية معروفة بالعراق كما ذكره فى «مجمع البحرين» فى ذيل قوله فى الخبر «احلى من ماء برس «إلى أن قال: ويريد بمائها، ماء الفرات، لانّها واقعة على شفيره، أو هو من موضع يكون بين البلدتين المذكورتين. وضبطه بكسر الباء الموحّدة كما فى شرح المولى خليل القزوينى على «الكافى»، ويظهر من «القاموس» أيضا لا من بلدة بروساء الّتى يقال لها فى هذه الأزمان برسة وهى من كبار مدن الرّوم القريبة العهد من التنصّر لمخالفته القياس فى النّسبة إلى مثل هذه اللّفطة يقينا بالواو، مضافا إلى مباينته للاعتبار الصّحيح، وكان رحمة اللّه عليه من علماء أواخر المأة الثّامنة، أم أوائل مأة بعدها معاصرا لأمثال صاحب المطول، والسيّد الشّريف، من علماء العامّة، ولا شباه الشّيخ مقداد السيّورى وابن المتوّج البحرانى من فقهآء أصحابنا المعروفين.

ومن جملة ما ذكره صاحب «رياض العلمآء» فى ترجمته انّه البرسى مولدا والحلّى محتدا الفقيه المحدّث الصّوفى المعروف، صاحب كتاب «مشارق الانوار» المشهور وغيره من المصنّفات الكثيرة، على ما يظهر من نقل الكفعمى عنها، ومنها كتاب «مشارق الامان ولباب حقايق الايمان» قد رأيته بمازندران وغيرها وهو غير «مشارق الانوار» المذكور واخصر منه، وتاريخ تأليفه سنة إحدى وثمانمأة.

وله أيضا صورة زيارة معروفة طويلة الذّيل لسيّدنا امير المؤمنين عليه السّلام فى نهاية اللّطف والفصاحة ورسالة «اللّمعة» كشف فيها أسرار الأسماء والصّفات والحروف والآيات وما يناسبها من الدّعوات، أو يقاربها من الكلمات رتبّها على ترتيب الساعات وتعاقب الاوقات، فى اللّيالى والايّام، لإختلاف الأمور والاحكام، وكتاب «الدّرّ الثّمين» فى ذكر خمسمأة آية نزلت فى شأن أمير المؤمنين عليه السّلام وكتاب «لوامع أنوار التّمجيد وجوامع أسرار التّوحيد» ورسالة فى «تفسير سورة الاخلاص» ورسالة أخرى فى كيفيّة «إنشاء التّوحيد والصّلوات على النّبىّ وآله» مختصرة. وكتاب آخر فى بيان مواليدهم وفضايلهم وآخر فى «فضايل على عليه السّلام» وهو أيضاً غير «المشارق» ظاهرا.

وقال الاستاد الاستناد ايّده اللّه تعالى فى مقدّمة كتاب «بحار الانوار» عند عدّه كتب الشّرايع والأخبار المنقولة عنها فيه، وكتاب «مشارق الانوار» وكتاب «الالفين» للحافظ رجب البرسى: ولا اعتمد على ما يتفرّد بنقله لإشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع والمحتمل عندى كون لفظ الحافظ تخلّصا له لا بمعانيه المعروفة عند أهل القرائة والحديث والتّجويد.

وقال الشّيخ المعاصر فى «أمل الامل» الشّيخ رجب الحافظ البرسى كان فاضلا محدّثا شاعرا منشيا أديبا له كتاب «مشارق أنوار اليقين فى حقايق أسرار أمير المؤمنين عليه السّلام» ورسائل فى «التوحيد» وغيره وفى كتابه إفراط وربما نسب إلى الغلوّ وأورد لنفسه فيه أشعارا جيّدة وذكر فيه انّ بين ولادة المهدى عليه السّلام وبين تاليف ذلك الكتاب خمسمأة وثمانية عشر سنة ومن شعره المذكور فيه قوله:

فرضى ونفلي وحديثى أنتم‌ *** وكلّ كلّى منكم وعنكم‌

أنتم عند الصّلاة قبلتى‌ *** إذا وقفت عندكم أيّمم‌

خيالكم نصب لعينى أبدا *** وحبّكم في خاطرى مخيمّ‌

يا سادتى وقادتى أعتابكم‌ *** بجفن عينى لثراها ألثم‌

وقفا على حديثكم ومدحكم‌ *** جعلت عمرى فاقبلوه وارحموا

منّوا على الحافظ من فضلكم‌ *** واستنقذوه فى غد وأنعموا

وقوله:

أيّها اللّائم دعنى‌ *** واستمع من وصف حالى‌

انا عبد لعلىّ المرتضى‌ *** مولى الموالى‌

كلّما ازددت مديحا *** فيه قالوا لا تغال‌

وإذا أبصرت فى الحقّ‌ *** يقينا لا أبالي‌

آية اللّه التّى فى وصفها  *** القول حلالى‌

كم إلى كم ايّها العاذل *** ‌ؤاكثرت جدالي‌

يا عذولى فى غرامى‌ *** خلّنى عنك وحالي‌

رح اذا ما كنت تابى‌ *** واطّرحنى وضلالي‌

انّ حبّى لعلى المرتضى‌ *** عين الكمال‌

وهو زادى فى معادى‌ *** ومعاذى فى مآلي‌

وبه أكملت دينى‌ *** وبه ختم مقالي‌

 

انتهى ما ذكره صاحب «الرّياض».

 

ومن جملة أشعاره الفاخرة أيضا فى مدح سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام بنقل السيّد نعمة اللّه الجزائرى قدّس سرّه:

ألعقل نور وأنت معناه‌ *** والكون سرّ وأنت مبداه‌

والخلق فى جمعهم إذا جمعوا *** الكلّ عبد وأنت مولاه‌

أنت الولىّ الّذى مناقبه‌ *** ما لعلاها في الخلق أشباه‌

يا آية اللّه فى العباد ويا *** سرّ الّذى لا إله إلّا هو!

فقال قوم بأنّه بشر *** وقال قوم: لا بل هو اللّه‌

يا صاحب الحشر والمعاد ومن‌ *** مولاه حكم العباد ولّاه‌

يا قاسم النّار والجنان غدا *** أنت ملاذ الرّاجى ومنجاه‌

كيف يخاف البرسّى حرّ لظى‌ *** وأنت عند الحساب غوثاه‌

لا يختشي النّار عبد حيدرة *** إذ ليس في النّار من تولّاه‌

 

وأقول بل امر الرّجل فى تشييده لدعائم المرتفعين، وتجديده لمراسم المبتدعين وخروجه عن دائرة ظواهر الشّريعة المحكمة أصولها بالفروع، وعروجه على قواعد الغالين والمفوّضة الملتزم وصولها الى غير المشروع، والتزامه لتخطئة كبراء أهل الملّة والدّين، وتزكية من يخالف طريقة الفقهآء والمجتهدين، وفتحه بكلماته الخطابيّة التّى تشبه مقالات المغيريّة والخطّابيّة، ابواب المسامحة فى امور التّكاليف العظيمة على وجوه العوام الذين هم أضلّ من الانعام، واعتقاده لعدم مؤاخذة أحد من‌ احبّة أهل البيت المعصومين عليهم السلام، شى‌ء من الجرائم والاثام وبنائه المذهب على التّأويلات الهوائية الفاسدة من غير دليل مع انّ أوّل مراتب الالحاد كما استفاضت عليه الكلمة فتح باب التّأويل ممّا ليس لأحد من المتدرّبين لكلماته عليه نقاب، ولا لأحد من المتأملين فى تصنيفاته موضع تأمّل وارتياب.

إلا انّه سامحه اللّه تبارك وتعالى فيما أفاد، لما كان أوّل من جلب قلبه إلى تمشية هذا المراد، وسلب لبّه على محبّة أهل بيت نبيّه الامجاد، ولم يكن من المقلّدة الذّين هم يمشون على اثر ما يسمعونه، ويقبلون من المشايخ كلّما يدعونه، ولا يستكشفون عن حقيقة ما يشرعونه، ويكونون بمنزلة عبدة الأصنام الّذين اتّبعوا أسلافهم المستقبلين إليها فى عبادتهم من غير بصيرة لهم، بانّ ذلك العمل من اولئك انّما كان لتذكّر عبادات من كان على صورتلك الأصنام من قدمائهم المتعبّدين كما ورد عليه نصّ المعصوم عليه السّلام فمن المحتمل الرّاجح اذن فى نظر من تأمّل أن يكون هو النّاجى المهدى الى سبيل المعرفة بحقوق أهل البيت عليهم السلام ومقلّدوه مقلّدون بسلاسل النّقمة على كلّ ما لهجوا به عليه فى حقّ اولئك من كيت وكيت. وان احتمل ان يكون بروز نائرة هذه الفتنة النّائمة من لدن تعرّض راويي التّفسير المنسوب الى الإمام عليه السّلام لوضع ذلك من البدو إلى الختام على حسب المرام أو من زمن شيوع تفسير فرات بن ابراهيم الكوفى، أم وقوع تفصيل فارس بن حاتم القزوينى الصّوفى[22] على ايدى الانام، بل من آونة انتشار المفضّل بن عمر[23] وجابر بن يزيد[24] الجعفيّين بين هذه الطّائفة وتدوين طائفة منها فى «بصائر الصّفّار» و«مجالس الشّيخ»[25] و«كشف الغمّة»[26] و«خرائج الرّاوندى» و«فضائل شاذان»[27] وولده[28] وسائر كتب المناقب والفضائل العربيّة والفارسيّة وتفاسير المرتفعين والأخباريّة.

وان يكون اوّل من تكلّم بهذه الخطابيات المنطبعة فى قلوب العوام بالنّسبة إلى أهل البيت عليهم السلام أيضا هم امثال اولئك أو من كان من نظائر أبى الحسين بن‌ البطريق الأسدى[29] فى كتاب عمدته[30] وخصائصه[31] والسيّد الرّضى[32] ورضى الدّين بن طاوس[33] و بعض فضلاء البحرين وقم المطهّر فى جملة من كتبهم ثمّ ان يكون كلّ من جاء على إثر هذا المذهب واشرب فى قلوبهم الملائمة لهذا المشرب زاد فى الطّنبور نغمة وهتك عصمة ورفع وقعا و أبدع وضعا وجمع جمعا وأسمع سمعا وأراق عارا وأظهر شنارا وردّ على فقيه من فقهاء الشّيعة و هدّ سدّا من سنون! الشّريعة إلى أن انتهت النّوبة إلى هذا الرّجل فكتب فى ذلك كتابا وفتح أبوابا و كشف نقابا وخلّف أصحابا فسمّى اتباعهم المقلّدة له فى ذلك بالكشفية. لزعمهم الاطّلاع على الأسارير المخفيّة، ثمّ اتباع اتباعهم الّذين آلت معاملة التّأويل إليهم فى هذه الأواخر.

وهم فى الحقيقة اعمهون بكثير من غلاة زمن الصّدوقين في قم الّذين كانوا ينسبون الفقهاء الاجلّة إلى التّقصير بسمة الشّيخيّة والپشت سرية، من اللّغات الفارسيّة لنسبتهم إلى الشّيخ أحمد ابن زين الدّين الأحسائى المتقدّم ذكره وترجمته، وكان هو يصلّى الجماعة بقومه خلف الحضرة المقدّسة الحسينيّة فى الحائر الشّريف، بخلاف المنكرين على طريقته من فقهاء تلك البقعة المباركة، فانّهم كانوا يصلّونها من قبل رأس الإمام عليه السّلام ولهذا يسمّون عند أولئك بالبالاسريّة.

ولا يذهب عليك غبّ ما ذكرته لك كلّه انّ منزلة ذلك الشّيخ المقدّم من هذه المقلّدة الغاوية المغوية، انّما هى منزلة العلوج الثلاثة الّذين ادّعوا النصرانيّة[34] وأفسدوها باظهارهم البدع الثلاث من بعد أن عرج بنبيّهم المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام، كيف لا وقد ارتفع بهذه المقلّدة المتمرّدة، واللّه، الامان في هذه الازمان، ووهنت بقوّتهم اركان الشّريعة والايمان، بل حداهم خذلان اللّه، وضعف سلسلة العلمآء، إلى أن ادّعوا البابيّة والنّيابة الخاصّة عن مولانا الحجّة صاحب العصر والزّمان عليه السّلام، وظهر فيهم من أظهر التّحدّى فيما اتى به من الكلمات الملحونة على اهل البيان، ووسم أقاويله الكاذبة ومزخرفاته الباطلة- والعياذ باللّه تبارك وتعالى- بوسمة الصّحيفة والقرآن، بل لم- يكتف بكلّ ذلك حتّى انّه طالب المجتهدين الأجلّة بأن يتعرّضوا لمثل هذا الاتيان ويظهروا من نظاير ذلك التّبيان، ويبارزوا معه ميدان المبارزة لدى جماعة الاجامرة والنّسوان.

مع انّ على كلّ ما انتحله من الباطل، ام أولعه من الفاسد العاطل، وصمة من وصمات الملعنة، والخروج عن الإسلام إلى دين جديد، مضافا الى ما انكشفت من تعوّمه وسفهه عن الحقّ لمن كان له قلب او القى السّمع وهو شهيد وما انحسر عنه من أكاذيبه الواضحة فيما أخبر به من ظهور نور الحقّ فى ما سلف عنّا من قرب هذا الزّمان، ثمّ اعتذر عنه لما ان ظهر كذبه الصّريح بامكان وقوع البدا فيما أوحى إليه من جهة الشّيطان.

ونحن فقد بذلنا الجهد حسب الوسع والطّاقة بمعونة صاحب الشّريعة فى إطفاء نائرته وإخفاء دائرته، وتفضيح اتباعه الفجرة الملاعين، وتضييع أشياعه الكفرة بالأدلّة والبراهين، إلى أن أعلنت والحمد للّه كلمة الحق عليه وعلى أتباعه ودارت عليهم دائرة السّوء الّتى لا تدع إنشاء اللّه تعالى شيئا من شعبه وافراعه وصار من رهائن بعض القلاع القاصية عن المسلمين بامر سلطانهم المسخرّ له وجوه الممالك الواسعة من الطّول والعرض، فصدق عليه: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ».

ثمّ قتل فى بلدة تبريز[35] المحروسة مع رجل آخر من اتباعه بهجوم صف من الجند المؤيّد عليهما بتفنجاتهم العادية بل القيت جثّته الخبيثة عند الكلاب العاوية فأكلن السّمكة حتّى رأسها ولم يخفن فى ذلك بأسها، ومع هذا كلّه بقى جماعة من بعده يفسدون فى الأرض ويعدّون فى عدّة، وينتظرون الفرصة، لزمان الاضلال، وظهور فتنة الدّجال، مثل جماعة انتظروا ظهور الحلّاج من بعد صلبه وحرقه، وانتشار رماده فى دجلة بغداد واللّه لا يحبّ الفساد.

وانّما ارخيت عنان القلم إلى الإشارة بشى‌ء من مطاعن هذا الرجل السّفيه، والمفتضح بكلّ ما فيه، مع انّه لم يكن بقابل على حسب الظّاهر لمثل هذا الإظهار أو الأنكار عليه بهذا الإصرار لئلّا يغترّ بنظائره بعد ذلك أولوا الجهالة فى الدّين، ولا يخدع أحد بغرور امثال اولئك الملحدين، ويكون على بصيرة من فتن آخر الزّمان، ولا يدع مطالعة الاحاديث المخبرة عن خروج كثير من المدّعين بالباطل قبل ظهور خليفة الرّحمان- عليه سلام اللّه الملك المنّان.

وكذا الأحاديث الحاثّة على إظهار البرائة من المفوّضة والغلاة، وأنّهم أشدّ من النّواصب الكفرة على الائمة الهداة[36]، ولا يكونوا بمنزلة همج رعاع يميلون مع كلّ ريح ويسيلون مع كلّ قيح، مضافا إلى ما ورد عنهم عليهم السّلام من الحثّ على العمل بالأركان، بحسب الامكان، وترك الإتّكال فى النّجاة من النّيران، على الإقرار باللّسان، والاعتقاد بالجنان، مثل ما نقله صاحب كتاب «الكافي» بالسّند الصّحيح عن جابر بن يزيد الجعفى عن أبى جعفر الباقر عليه السّلام انّه قال: يا جابر أيكتفى من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت عليهم السّلام، واللّه ما شيعتنا إلّا من اتّقى اللّه وأطاعه، فاتقو اللّه [الى ان قال‌] وأعملوا لما عند اللّه، ليس بين اللّه وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى اللّه عزّ وجلّ أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر واللّه ما يتقرّب إلى اللّه تبارك وتعالى، إلّا بالطّاعة ما معنا براءة من النّار ولا لأحد على اللّه من حجّة، من كان للّه مطيعا فهو لنا ولىّ ومن كان للّه عاصيا فهو لنا عدوّ، وما تنال ولا يتنا إلّا بالعمل والورع.

وقال رجل للصّادق عليه السّلام انّ قوما من شيعتكم يعملون بالمعاصى ويقولون نرجو، فقال: كذبوا ليسوا من شيعتنا، كلّ من رجا شيئا عمل له، فواللّه ما شيعتنا منكم إلّا من اتّقى اللّه.

هذا. وأنا أرجو من اللّه تبارك وتعالى أن يأجرني على هذا الرّقم القليل بالقلم الكليل، ويثبّتنا وسائر الشيعة الإماميّة على سواء السّبيل- ثمّ ليعلم انّ من جملة من تعرّض لشرح مشارق البرسي، على حسب استعداده الغير الوفى بحقّ مراد المصنّف، هو بعض فضلاء سبزوار المحروسة المعروف بالحسن الخطيب القارى المقيم بالمشهد المقدّس الرّضوى على مشرّفها السّلام، وهو شرح مبسوط ينيف على ثلاثين ألف بيت فى الظّاهر موشّح بأشعار هذا الشّارح أيضا فى مقاماته المناسبة، وكان قد كتبه بامر السّلطان شاه سليمان الصّفوى الموسوى[37] إلّا انّه فارسى، وقد أسقط من أوائله أيضا شرح أسرار الاعداد والحروف الّتى هى اصول قواعد هذا الفنّ فى الحقيقة لقصوره عن القيام بحقّ ذلك على الظّاهر.

وله أيضا رسالة قد جمع فيها الخطب العربيّة والفارسيّة، وشرح على رواية حدوث الأسماء المرويّة فى الكافي وغير ذلك، ولم اتحقّق إلى الآن تاريخ وفاته ولا تاريخ وفات الماتن المحقّق، إلّا ان مرقده المطهّر فى قصبة أردستان الّتى هى على مراحل من اصبهان فى وسط بستان يكون هنالك كما ذكره لى بعض الثّقات واللّه العالم)[38].

هذا النص الشجاع الذي كتبه السيد الخوانساري يكشف عن عمق مشكلة الغلو، وشجاعة السيد الخوانساري بالتصدي لها وذكره اسماء تعتبر اليوم غير قابلة للطعن او الاتهام! فاعتبروا يا اولي الألباب.

وانظر كيف انتقل السيد الخوانساري من كلامه على الشيخ رجب البرسي الى الشيح احمد الاحسائي ثم الى البابية والبهائية، وهي اشارة واضحة تتضمن تحذيره من منهج وكلام هؤلاء المغالين ونمو الغلو من احدهم الى الآخر، كما ويحذر من الانخداع بمعسول عباراتهم ومقامات الغلو التي يزعمونها ويكذبونها على الأئمة المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم).

وقد وردت في النص السابق إشارات الى بعض أسماء بعض المؤلفات نجد من المهم توضيح بعض الأمور عنها:

فيما يخص (تفسير فرات) المشار اليه، يقول الاستاذ محمد الكاظم في مقدمة تحقيقه لتفسير فرات: (إنَّ صفحات التاريخ لم تنقل الينا من حياته شيئاً ولم تفرد له الكتب الرجالية التي بايدينا له ترجمة لا بقليل ولا كثير ولم تذكره حتى في خلال التراجم) ... (وربما كان من الناحية الفكرية والعقائدية زيدياً أو كان متعاطفاً معهم ومخالطاً إياهم ومتمايلاً إليهم على الأقل كما يبدو واضحاً لمن يلاحظ في الكتاب مشايخه وأسانيده وأحاديثه فهو أشبه ما يكون بكتب الزيدية وليس فيه نص على الأئمة الأثني عشر وإن كان مكثراً في الرواية عن الصادقين بنصوص تؤكد على إمامتهما وعصمتهما لكن في المقابل يروي عن زيد أحاديث تنفي العصمة عن غير الخمسة من أهل البيت وربما كان السبب في عدم ذكره في الكتب الرجالية هو أنه لم يكن إمامياً حتى تهتم الإمامية به ولم يكن سنياً حتى تهتم السنة به بل هو من الوسط الزيدي في الكوفة، والزيدية قد انمحت الكثير  من آثارهم وتضاءل دورهم في المجتمع الاسلامي حتى انحصر في بقعة معينة ونائية من الأرض هي بلاد اليمن)[39].

وفيما يخص (خرائج الراوندي)، ومؤلفه الشيخ قطب الدين الراوندي وهو: قطب الدين أبو الحسين سعيد بن عبد الله الراوندي (توفي 573 هـ)، وملاحظتنا عن هذا الكتاب انه خالٍ من الاسانيد، ومخطوطاته اقدمها تعود الى سنة 958هـ واخرى الى سنة 1092هـ، وثالثة لم يذكروا لها سنة نسخ[40].

وبخصوص الكتب الخالية من الاسانيد قال الشيخ محمد آصف محسني: (مرّة اخرى نؤكد للطلاب والفضلاء والعلماء في غنى بعلمهم عن هذا التأكيد بأن الوصول إلي الحقيقة، والتحفظ على الحدود الدينية والوظائف الشرعية من الزيادة والنقيصة، الذي هو من أهمّ تكاليف المسلمين يوجبان الاقتصار على الاحاديث المعتبرة سنداً ورفض المتون الواردة باسانيد ضعيفة ومشكوكة وشرف العلم وفطرة العالم يميلان إلى مراعاة الكيفية حتى بغض النظر عن الكمية ورفضها)[41].

وفيما يخص (بصائر الصفار)، وهو المسمى (بصائر الدرجات)، فقد جاء في مباحث الأصول تقريرات السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) للسيد كاظم الحائري (حفظه الله)، قال: (ولا إشكال في عدم الحجّيّة لنسخة بصائر الدرجات التي تتواجد في زماننا أو زمان المحدّث النوريّ (رحمه الله)؛ لوضوح عدم ثبوت النسخة بسند معتبر)[42].

 

كلام العلامة الأميني عن الشيخ البرسي

وأستمر السيد المدرسي قائلاً: (في ربيع هذا العام قام الناشر السابق لمؤلَّفاتي بإعداد وثيقةٍ تضمّ مجموعة مقالات كنتُ قد نشرتُها قبل هجرتي، وقد أرسلها لي؛ بغية مراجعتها وتدقيقها. فوجدتني كتبت في إحدى هذه المقالات، وتحديداً قبل أربعين عاماً، حول الحافظ رجب البرسي، واقتبست كلاماً للعلاّمة الأميني (الذي كان حينها لا يزال على قيد الحياة)، والذي أورده في غديريته في إطار سرده لسيرة الحافظ البرسي، يشرح فيه كيف أن هذين الاتجاهين عاشا جنباً إلى جنب على مدى قرون، والخدمات الجليلة التي قدَّمها العلماء للتشيُّع، بالرغم من أنّه «لم تَزَلْ الفئتان على طرفي نقيضٍ، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدّها»).

في الحقيقة فإنَّ الذي تحدث عنه الشيخ الأميني في الموضع المشار اليه هو الصراع بين التيارين العلمائي المحافظ ورجال الدين الكهنوتي داخل التشيّع، وكلا التيارين لهما جمهورهما ومدارسهما ومؤلفاتهما والخطباء الذين يمثلونهما، وبينهما صراع فكري لا يلتفت اليه عامة الشيعة من غير النخب الثقافية المتخصصة بل والكثير من المثقفين ايضاً لا يلتفتون الى ذلك الصراع الفكري المصيري الذي يحدد طبيعة عقيدة الشيعي بين أن تكون خالصةً كما تلقاها العلماء الأبرار من آل البيت المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم) أو تكون عقيدتهم بجهود بعض رجال الدين شيعية مخلوطة مع تراث ابن عربي الصوفي والفلسفي أو بعض المتبنيات المغالية التي تسللت الى التشيع عن طريق الاحسائية أو غيرهم!

ونص ما كتبه العلامة الأميني يدافع عن الشيخ رجب البرسي وعن اتهامه بالغلو، ننقل مواضع الحاجة منه: (الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي، من عرفاء علماء الإمامية وفقهائها المشاركين في العلوم، على فضله الواضح في فن الحديث، وتقدمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته، وتضلعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها، وبذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقة النظر، وله في العرفان والحروف مسالك خاصة، كما أن له في ولاء أئمة الدين عليهم السلام آراء ونظريات لا يرتضيها لفيف من الناس، ولذلك رموه بالغلو والارتفاع، غير إن الحق أن جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم السلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلو غير درجة النبوة، وقد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: إياكم والغلو فينا، قولوا: إنا عبيد مربوبون. وقولوا في فضلنا ما شئتم{[43]} وقال الإمام الصادق عليه السلام: اجعل لنا ربا نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم، وقال عليه السلام: إجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا{[44]}. وأنى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنى لنا الوقوف على غاية ما شرفهم الله به من ملكات فاضلة، ونفسيات نفيسة، وروحيات قدسية، وخلائق كريمة، ومكارم ومحامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، وفضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شئ من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟ لا. كيف؟ وأنى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟{[45]}. ولذلك تجد كثيرا من علمائنا المحققين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كل هاتيك الشؤون وغيرها مما لا يتحمله غيرهم، وكان في علماء قم من يرمي بالغلو كل من روى شيئا من تلكم الأسرار حتى قال قائلهم: إن أول مراتب الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله إلى أن جاء بعدهم المحققون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزنا، وهذه بلية مني بها كثيرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم، ولم تزل الفئتان على طرفي نقيض، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدها، والصلح خير. وفذلكة المقام أن النفوس تتفاوت حسب جبلاتها واستعداداتها في تلقي الحقائق الراهنة، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار، ومنها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعا و يمد لها باعا، وبطبع الحال أن الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون، كما أن الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حققوه في مدحرة البطلان، فهنالك تثور المنافرة، وتحتدم الضغائن، وتحن نقدر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جدد السبيل في طلب الحق ونقول:

على المرء أن يسعى بمقدار جهده * وليس عليه أن يكون موفقا

ألا إن الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضة وقد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: أن أمرنا، أو حديثنا. صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحن الله قلبه بالايمان إذن فلا نتحرى وقيعة في علماء الدين ولا نمس كرامة العارفين، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقي منه، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لو جلست أحدثكم ما سمعت من فم أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون: إن عليا من أكذب الكاذبين.

وقال إمامنا السيد السجاد عليه السلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخا رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما فما ظنكم بسائر الخلق وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، وإلى هذا يشير سيدنا الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام بقوله:

إني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسنين وأوصى قبله الحسنا

فرب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا

ولا ستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا[46]

 

ولسيدنا الأمين في أعيان الشيعة 31: 193 - 205 في ترجمة الرجل كلمات لا تخرج عن حدود ما ذكرناه ومما نقم عليه به اعتماده على علم الحروف والأعداد الذي لا تتم به برهنة ولا تقوم به حجة، ونحن وإن صافقناه على ذلك إلا إن للمترجم له ومن حذا حذوه من العلماء كابن شهرآشوب ومن بعده عذرا في سرد هاتيك المسائل فإنها أشبه شئ بالجدل تجاه من ارتكن إلى أمثالها في أبواب أخرى من علماء الحروف من العامة كقول العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 155: قال بعض علماء الحروف: يؤخذ دوام ناموس آل الصديق وقيام عزته إلى انتهاء الدنيا من سر قوله تعالى: في ذريتي. فإن عدتها بالجمل الكبير ألف وأربعمائة ي مظنة تمام الدنيا كما ذكره بعضهم فلا يزالون ظاهرين بالعزة والسيادة مدة الدنيا، وقد استنبط تلك المدة عمدة أهل التحقيق مصطفى لطف الله الرزنامجي الديوان المصري من قوله تعالى: لا يلبثون خلافك إلا قيلا، قال ما لفظه: إذ أسقطنا مكررات الحروف كان الباقي (ل ا ي ب ث ون خ ف ك ق) أحد عشر حرفا عددهم بالجمل الكبير ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعين زدنا عليه عدد الحروف وهو أحد عشر صار المجموع وهو ألف وأربعمائة عشرة وهو مطابق لقوله تعالى: ذريتي. وسمعت ختام الأعلام الشيخ يوسف الفيشي رحمه الله يقول: قال محمد البكري الكبير: يجلس عقبنا مع عيسى بن مريم على سجادة واحدة وهذا يقوى تصحيح ذلك الاستنباط.ه‍. ونحن لا ندري ماذا يعني سيدنا الأمين بقوله: وفي طبعه شذوذ وفي مؤلفاته خبط وخلط وشيئ من المغالاة لا موجب له ولا داعي إليه وفيه شئ من الضرر وإن أمكن أن يكون له محل صحيح؟ ليت السيد يوعظ إلى شئ من شذوذ طبع شاعرنا الفحل حتى لا يبقى قوله دعوى مجردة. وبعد اعترافه بإمكان محمل صحيح لما أتى به المترجم له فأي داع إلى حمله على الخبط والخلط، ونسيان حديث: ضع أمر أخيك على أحسنه؟ و أي ضرر فيه على ذلك تقدير؟ على أنا سبرنا غير واحد من مؤلفات البرسي فلم نجد فيه شاهدا على ما يقول، وستوافيك نبذ ممتعة من شعره الرائق في مدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم وليس فيها إلا إشادة إلى فضائلهم المسلمة بين الفريقين أو ثناء جميل عليهم هو دون مقامهم الأسمى، فأين يقع الارتفاع الذي رماه به بعضهم؟ وأين المغالاة[47] التي رآها السيد؟ والبرسي لا يحذو في كتبه إلا حذو شعره المقبول، فأين مقيل الخبط والضرر والغلو التي حسبها سيد الأعيان؟. وأما ما نقم به عليه من اختراع الصلوات والزيارة بقوله: (واختراع صلاة عليهم وزيارة لهم لا حاجة إليه بعد ما ورد ما يغني عنه ولو سلم أنه في غاية الفصاحة كما يقول صاحب الرياض) فإنه لا مانع منه إلا ما يوهم المخترع إنها مأثورة، وأي وازع من إبداء كل أحد تحيته بما يجريه الله تعالى على لسانه وهو لا يقصد ورودا ولا يريد تشريعا؟ وقد فعله فطاحل العلماء من الفريقين ممن هو قبل المترجم وبعده، ولا تسمع أذن الدنيا الغمز عليهم بذلك من أي أحد من أعلام الأمة، وأما قول سيدنا: " وإن مؤلفاته ليس فيها كثير نفع وفي بعضها ضرر ولله في خلقه شؤون سامحه الله وإيانا " فإنه من شطفة القلم صدر عن المشظف سامحه الله وإيانا. تآليفه القيمة 1 - مشارق أنوار اليقين في حقايق أسرار أمير المؤمنين، 2 - مشارق الأمان ولباب حقايق الإيمان ألفه سنة 813. 3 - رسالة في الصلوات على النبي وآله المعصومين. 4 - رسالة في زيارة أمير المؤمنين طويلة قال شيخنا صاحب الرياض: في نهاية الحسن والجزالة واللطافة والفصاحة معروفة، 5 - رسالة اللمعة من أسرار الأسماء والصفات والحروف والآيات والدعوات فيها فوائد ولا تخلو من غرابة كما قاله شيخنا صاحب الرياض. 6 - الدر الثمين في خمسمائة آية نزلت في مولانا أمير المؤمنين باتفاق أكثر المفسرين من أهل الدين، ينقل عنه المولى محمد تقي الزنجاني في كتابه: طريق النجاة، 7 - أسرار النبي وفاطمة والأئمة عليهم السلام. 8 - لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسرار التوحيد في أصول العقايد. 9 - تفسير سورة الاخلاص. 10 - رسالة مختصرة في التوحيد والصلوات على النبي وآله. 11 - كتاب في مولد النبي وعلي وفاطمة وفضائلهم، 12 - كتاب في فضائل أمير المؤمنين غير المشارق. 13 - كتاب الألفين في وصف سادة الكونين)[48].

ثم يذكر جملة من أشعاره في مدح آل البيت الأطهار (عليهم السلام)، ومما جاء فيها قول الأميني:

(ومن شعره يمدح أمير المؤمنين سلام الله عليه قوله:

بأسمائك الحسنى أروح خاطري * إذا هب من قدس الجلال نسيمها

لئن سقمت نفسي فأنت طبيبها * وإن شقيت يوما فمنك نعيمها

رضيت بأن ألقى القيامة خائفا * دماء نفوس حاربتك جسومها

أبا حسن لو كان حبك مدخلي * جحيما لكان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف النار من كان موقنا * بأنك مولاه وأنت قسيمها؟

فواعجبا من أمة كيف ترتجي * من الله غفرانا وأنت خصيمها؟

وواعجبا إذ أخرتك وقدمت * سواك بلا جرم وأنت زعيمها)!!

 

والاعتراض هو في البيت الأول خيث يخاطب اأمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (بأسمائك الحسنى)!!

وقال ايضاً:

(فهم عترة قد فوض الله أمره * إليهم لما قد خصهم منه بالمنن)!!

وفيه يذكر معتقده بالتفويض صراحة!!

ويعترض الشيخ الأميني على الحافظ رجب البرسي لأنه نسبه الى الغلو، مع أنّه ليس السيد محسن الأمين من فعل ذلك بل جملة من علمائنا نذكر آراء بعضهم:

* قال العلامة المجلسي: (وكتاب مشارق الأنوار ، وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي . ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع . وإنما أخرجنا منهما ما يوافق الاخبار المأخوذة من الأصول المعتبرة)[49].

 * قال الحرالعاملي: (مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين ، الحافظ رجب البرسي الحلي . قال الشيخ الحر: إن فيه إفراطا وربما نسب إلى الغلو)[50]. وفي امل الآمل قال الحر العاملي: (وفي كتابه إفراط وربما نسب إلى الغلو)[51].

فأما الرواية التي اشار اليها الشيخ الأميني: (أن أمرنا، أو حديثنا. صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحن الله قلبه بالايمانفهي صريحة وواضحة وتبين انَّ المؤمنين الذين امتحن الله قلبهم للايمان يؤمنون بكلام آل البيت المعصومين الأطهار (عليهم السلام). فهل يُتَصَوّر أنَّ معنى ذلك ان نؤمن بعقيدة باطنية لم تردنا عن الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام) كما هي عقيدة العرفانيين المتصوفة من اتباع ملا صدرا والإحسائي؟! أليس حديثهم الحالي (صلوات الله عليهم) الذي دوَّنه العلماء الأبرار ونشروه وتناقلوه جيلاً بعد آخر هو من الحديث المستصعب ولذلك تجد المخالفين يعرضون عنه ولا يتحملون قبوله! ومن اين جاء كاتب السطور بدعوى ان حديثهم صعب مستصعب يعني ان لديهم أسراراً باطنية وغنوصية صوفية لا يتحملها عامة الناس إلا التابعين لأفكار رجب البرسي وتراث ابن عربي وملا صدرا والاحسائي ودُعاة الغلو!!

أليست مراتب (مقامات) آل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم) التي عرفها الشيعة ابتداءً من عصر النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطهار (عليهم السلام) والغيبة الصغرى ثم عصر الغيبة الكبرى حيث دوّن علمائنا الأبرار كل شيء مما يخص العقيدة ولاسيما مراتب آل البيت الأطهار (عليهم السلام) التي يستعمل البعض التعبير الصوفي (مقامات) لوصفها، ومنها: مقام العبودية المطلقة لله عزَّ وجلَّ، مقام العصمة، مقام العلم (بالشريعة وبكل ما يحتاجه الانسان في شؤونه الدنيوية والأخروية وبكل ما يريد الامام معرفته)، مقام تسخير الله سبحانه كائنات لهم وانهم لا يشاؤون الا ما يشاء الله، ومقامات أخرى تجدونها مدونة في كتب الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والعلامة الحلي والخواجة الطوسي وابن فهد والعلامة المجلسي وغيرهم ممن كتبوا في العقيدة الى القرن العاشر الهجري، أليست هذه المراتب (المقامات) جميعها هي من الحديث الصعب المستصعب أم تجدون أنَّ المخالفين يؤمنون بها بكل سهولة ويقبلونها بلا اعتراض؟!!

 

واما قول الشيخ الأميني: (ولسيدنا الأمين في أعيان الشيعة 31: 193 - 205 في ترجمة الرجل كلمات لا تخرج عن حدود ما ذكرناه ومما نقم عليه به اعتماده على علم الحروف والأعداد الذي لا تتم به برهنة ولا تقوم به حجة)، فنعم لقد احسن السيد محسن الأمين القول بان علم الحروف والأعداد لا تقوم به حجة. وهي لا تقوم بها الحجية من من حيث ذاتيته. ومن جهة اخرى وهي انه: ما علاقة علم الحروف والأعداد بعقيدة الشيعة الإمامية، وإذا كانت تلك "الأسرار" المفترضة في علم الحروف والأعداد والاخوذة من الغنوصية الصوفية هي أسرار باطنية فهل يجب ان تكون عقيدة الشيعة أيضاً غنوصية باطنية!! ما وجه الأرتباط بينهما!! لا يوجد طبعاً. ولكن هؤلاء غرَّهم أبن عربي وبقية الغنوصيين الصوفيين بما تعلموه من فنون غنوصية كالحروف والاعداد وتسخير الجن وظنوا ان لهذه الفنون أصلاً صحيحاً متعلقاً بتفسير نشوء الكون والقوانين التي تحكمه وان هذا التفسير الكوني له مدخلية بالعقيدة الاسلامية فمن هنا ألتبس عليهم الأمر وخلطوا ما ورثوه من عقائد صحيحة من آل البيت الأطهار (عليهم السلام) بما تعلموه من غنوصيات أبن عربي وسائر الصوفية!

 

واما قول الشيخ الأميني: (ولذلك تجد كثيرا من علمائنا المحققين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كل هاتيك الشؤون وغيرها)! يقصد هنا الاسرار الصوفية الغنوصية كعلم الحروف وهو ما أشار إليه في عبارة سابقة والتي ادت بدورها ضمن مجمل الفكر الصوفي الغنوصي إلى إلقاء ظلالها على عقيدة الشيعة وادت الى اختراع مقامات صوفية لآل البيت المعصومين الأطهار (عليهم السلام) كمقام (الصادر الأول) و(الحقيقة المحمدية) و(الخلق) و(الرزق) و(الولاية التكوينية) وغيرها من المقامات الصوفية التي يسميها بالأسرار وكأنهم قد اكتشفوا قضايا فكرية باطنية تمثل عقيدة للخواص وخواص الخواص لم يعلمنا إياها آل البيت الاطهار( عليهم السلام) الذين كانوا حريصين على تعليم شيعتهم كل ما يهم أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم!! ولو كانت تلك الأسرار من العقيدة لوصلت الينا ولعلمها كبار أساطين المذهب كبني نوبخت وابن الوليد والشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيح الطوسي والعلامة الحلّي وغيرهم.

 

وأمّا قول الشيخ الأميني: (فلا نتحرى وقيعة في علماء الدين ولا نمس كرامة العارفين)! ومَنْ قال أنَّ معارف وعرفان الكشف والشهود الذي يمارسه العرفانيون والمتصوفة هو من علوم آل محمد (صلى الله عليه وآله) هل قالوا هم (صلوات الله عليهم) ذلك ام هو إفتراء عليهم!! وهل أنَّ علماء الدين هم الأمناء على الدين والمحافظين على تراث آل البيت المعصومين الأطهار (عليهم السلام) كما وصل اليهم ويبلّغونه الى الذين من بعدهم، جيلاً بعد جيل من العلماء الأبرار، أم هم "رجال الدين" الذين خلطوا تراثهم (عليهم السلام) بالأفكار الصوفية والفلسفية تحت مزاعم الكشف والشهود!!

 

وأمّا قول الشيخ الأميني: (على أنا سبرنا غير واحد من مؤلفات البرسي فلم نجد فيه شاهدا على ما يقول)! ألا يكفي فيها - على سبيل المثال - ما أورده فيما مما اطلق عليها أسم (الخطبة التطنجية) وما تحتوية من مضامين الغلو؟!! فمما جاء فيها: (أنا صاحب الخلق الأوّل قبل نوح الأول، و لو علمتم ما كان بين آدم و نوح من عجائب اصطنعتها، و أمم أهلكتها: فحق عليهم القول، فبئس ما كانوا يفعلون. أنا صاحب الطوفان الأوّل، أنا صاحب الطوفان الثاني، أنا صاحب سيل العرم، أنا صاحب الأسرار المكنونات، أنا صاحب عاد و الجنات، أنا صاحب ثمود و الآيات، أنا مدمّرها، أنا مزلزلها، أنا مرجعها، أنا مهلكها، أنا مدبرها، أنا بانيها، أنا داحيها، أنا مميتها، أنا محييها، أنا الأوّل، أنا الآخر، أنا الظاهر، أنا الباطل، أنا مع الكور قبل الكور، أنا مع الدور قبل الدور، أنا مع القلم قبل القلم، أنا مع اللوح قبل اللوح، أنا صاحب الأزلية الأولية، أنا صاحب جابلقا و جابرسا، أنا صاحب الرفوف و بهرم، أنا مدبر العالم الأول حين لا سماؤكم هذه و لا غبراؤكم)! فمن غير المعقول أنَّ الشيخ الأميني فاته الاطلاع على هذا النص فيها، وربما لم تسعفه الذاكرة باستحضاره وهو يكتب ذلك السطر الذي ذكرناه!

 

وينبغي التنبيه الى انَّ هناك بعض المؤلفات تدافع عن الشيخ رجب البرسي وتنفي عنه صفة الغلو والحال أنَّنا لا نعرف حقيقة توجه وافكار مؤلفيها وهل هم من الطرف المعتنق لمباديء التصوف وتعاليم ملا صدرا او الاحسائي أومن المتأثرين بالفلسفة والعرفان والغلو أم لا. كأحد النصوص التي تقول عن البرسي: (وربما ينسب الى الغلو وهو بريء منه ولا يخلو من الركالة)[52]! والركالة يراد بها التخبط. وقد بحثت في حياة مؤلفه فلم اعثر فيها الا على ما يُتخوف منه تأثره بالخط الصوفي، ولا نتهمه إنما نطلب المزيد من التحقيق في امره من هذه الجهة. والكتاب ايضا لا يتورع عن ذكر الخط الصوفي بالحسنى وعدم التحذير منه! فينبغي عند تقييم شخصية متهمة بالغلو دراسة المصادر التي تبدي أحكامها بخصوصه فربما كانت تلك المصادر هي من نفس طبيعة التهمة التي يُتّهم بها، فلاحظ!

 

رواية "قولوا في فضلنا ما شئتم": وأمّا ما ذكره الشيخ الأميني في بداية النص الذي اقتبسناه آنفاً من إشارته الى رواية (إياكم والغلو فينا، قولوا: إنا عبيد مربوبون. وقولوا في فضلنا ما شئتم) والمروي في الخصال للشيخ الصدوق رحمه الله فصحيح، ولكن فات الشيخ الأميني أنَّهم (صلوات الله عليهم) يتصفون بكل صفة كمال دون الربوبية، فلا تفويض لأن منزلة التفويض تعني انهم يكونون أرباب الخلق والرزق، فهو ممنوع بحسب الرواية، ولا ولاية تكوينية على النمط الصوفي لأنها تجعلهم أرباباً للكون يديرونه بجميع تفاصيله، وهو صريح في مخالفته للرواية الشريفة.

وحينما يكون الموضوع متعلقاً بالعقيدة تكون الأولوية لعرض الرواية على كتاب الله عزَّ وجلَّ، ثم بعد التوثق من عدم التعارض يتم تدقيق رتبتها السندية ووثاقة رواتها. ومن الأحاديث التي تحث وتؤكد وتبيّن على اهمية عرض الروايات على القرآن الكريم ونبذ ما يعارضه، ما في كتاب الكافي للشيخ الكليني (طاب ثراه) تحت عنوان "بابُ الأَخذِ بِالسُّنَّةِ وشَواهِدِ الكِتابِ":

1) عَنْ الإمام الصادق (عليه السلام): «قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله: إِنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وعَلَى كُلِّ صَوابٍ نُوراً فَما وافَقَ كِتابَ الله فَخُذُوه وما خالَفَ كِتابَ الله فَدَعُوه».

2) عن الإمام الصادق (عليه السلام): «خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله بمنى فَقالَ أَيُّها النّاسُ ما جاءَكُم عَنِّي يُوافِقُ كِتابَ الله فَأَنا قُلتُه وما جاءَكُم يُخالِفُ كِتابَ الله فَلَم أَقُله». 

3) سأل ابنَ أَبِي يَعفُورٍ الإمام الصادق (عليه السلام) عَنِ اختِلافِ الحَدِيثِ يَروِيه مَن نَثِقُ بِه ومِنهُم مَن لا نَثِقُ بِه قالَ (عليه السلام): «إِذا وَرَدَ عَلَيكُم حَدِيثٌ فَوَجَدتُم لَه شاهِداً مِن كِتابِ الله أَوْ مِن قَولِ رَسُولِ الله، وإِلا فَالَّذِي جاءَكُم بِه أَولَى بِه».

4) عن الإمام الصادق (عليه السلام): «كُلُّ شَيءٍ مَردُودٌ إِلَى الكِتابِ والسُّنَّةِ، وكُلُّ حَدِيثٍ لا يُوافِقُ كِتابَ الله فَهُوَ زُخرُف».

5) عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما لَم يُوافِق مِنَ الحَدِيثِ القُرآنَ فَهُوَ زُخرُفٌ».

وفي كتاب اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي: (عن يونس بن عبد الرحمن، إن بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر فقال له: يا أبا محمد ما أشدّك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: «لا تقبلوا علينا حديثاً الا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وآله، فإنا إذا حدّثنا قلنا قال الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وآله». قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام. وقال لي: «إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنا إنْ تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول قال فلان وفلان، فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصادق لكلام آخرنا، فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا أنت أعلم وما جئت به، فإن مع كل قول منا حقيقة وعليه نوراً، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان)[53].

وقال السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (طاب ثراه)[54] في كتابه "التعارض": (ولكنّ ظاهر كثير من الروايات أنّ العرض على الكتاب مقدّم على جميع أقسام التراجيح، بل روى الكليني في باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب أخباراً كثيرة دالّة على أنّ الخبر الغير الموافق لكتاب الله زخرف وباطل، ويلزم طرحه وإن لم يكن له معارض، وعلى هذا فإذا تعارض حديثان ينبغي عرضهما على القرآن أو السنّة المقطوع بهما والعمل بالموافق لهما)[55].

وضمن هذا السياق نجد أنَّ القرآن الكريم يصرّح ببشرية الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله) في عدة آيات كريمة.

قال الله تعالى: ((قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُم إِلٰهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)). [سورة الكهف: 110].

- ((قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم  يُوحَى إِلَيَّ أَنَّما إِلٰهكُم إِلٰهٌ واحِدٌ فاستَقِيمُوا إِلَيهِ واستَغفِرُوهُ وَوَيلٌ لِلمُشرِكِينَ)) [سورة فصلت: 6].

- ((وَقالُوا لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتَّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبُوعاً، أَو تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهارَ خِلالَها تَفجِيراً، أَو تُسقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمتَ عَلَينا كِسَفاً أَو تأتِيَ بِاللهِ والمَلائِكَةِ قَبِيلاً، أَو يَكُونَ لَكَ بَيتٌ مِن زُخرُفٍ أَو تَرقَى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتاباً نَقرَؤُهُ قُل سُبحانَ رَبِّي هَل كُنتُ إِلا بَشَراً رَسُولاً، وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الهُدَى إِلا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً، قُلْ لَو كَانَ فِي الأَرضِ مَلائِكَةٌ يَمشُونَ مُطمَئِنِّينَ لَنَزَّلنا عَلَيهِم مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً)) [سورة الإسراء: 90-95].

- ((وَأَسَرُّوا النَّجوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَل هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثلُكُم أَفَتَأتُونَ السِّحرَ وَأَنتُم تُبصِرُونَ)) [سورة الأنبياء: 3].

- ((قَالَت رُسُلُهُم أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ يَدعُوكُم لِيَغفِرَ لَكُم مِن ذُنُوبِكُم وَيُؤَخِّرَكُم إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُم إلا بَشَرٌ مِثلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعبُدُ آَبَاؤُنَا فَأتُونَا بِسُلطَانٍ مُبِينٍ، قالَت لَهُم رُسُلُهُم إِنْ نَحنُ إِلا بَشَرٌ مِثلُكُم  وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأتِيَكُم بِسُلطانٍ إِلا بِإِذنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ)) [سورة إبراهيم: 10-11].

- ((فَقَالَ المَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَومِهِ مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثلُكُم يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيكُم وَلَو شَاءَ اللهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الأَوَّلِينَ)) [سورة المؤمنون: 24].

- ((وَقَالَ المَلأُ مِنْ قَومِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآَخِرَةِ وَأَترَفنَاهُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثلُكُم يَأكُلُ مِمَّا تَأكُلُونَ مِنهُ وَيَشرَبُ مِمَّا تَشرَبُونَ، وَلَئِنْ أَطَعتُم بَشَراً مِثلَكُم إِنَّكُم إِذاً لَخَاسِرُونَ)) [سورة المؤمنون: 33-34].

- ((قالُوا ما أَنتُم إِلا بَشَرٌ مِثلُنا وَما أَنزَلَ الرَّحمَنُ مِنْ شَيءٍ إِنْ أَنتُم إِلا تَكذِبُونَ)) [سورة يس: 15].

وبعرض هذه الرواية (قولوا: إنا عبيد مربوبون. وقولوا في فضلنا ما شئتم) على القرآن الكريم نجد أنَّ الفضل الذي نقوله في شأنهم (عليهم السلام) يجب ان لا يخرج بهم (صلوات الله عليهم) عن كونهم بشر مربوبون.

 

أمّا من حيث سند الرواية، وهي يرويها الشيخ الصدوق في الخصال كما اشار الأميني، وسندها في هذا الكتاب هو: (حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثني محمد ابن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير، ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربع مائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه)[56]. فالذي يدور حوله النقاش هم ثلاثة رواة ينبغي تدقيق امر وثاقتهم هم: محمد ابن عيسى بن عبيد اليقطيني والحسن بن راشد وحفيده القاسم بن يحيى.

 

* فامّا ما جاء بخصوص محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، فخلاصة ما ذكره السيد الخوئي عنه في معجم رجال الحديث:

·        قال النجاشي: «محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى .... جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني (ع) مكاتبة و مشافهة.

·        ذكر أبو جعفر بن بابويه، عن ابن الوليد، أنه قال: ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا تعتمد عليه.

·        قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان (رحمه الله) يحب العبيدي، و يثني عليه، و يمدحه و يميل إليه و يقول: ليس في أقرانه مثله، و يحسبك هذا الثناء من الفضل (رحمه الله).

·        وقال الشيخ: «محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني: ضعيف، استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه عن رجال نوادر الحكمة، و قال: لا أروي ما يختص برواياته، و قيل: إنه كان يذهب مذهب الغلاة، له كتاب الوصايا، و له كتاب تفسير القرآن، و له كتاب التجمل و المروة، و كتاب الأمل و الرجاء. أخبرنا بكتبه و رواياته جماعة، عن التلعكبري، عن ابن همام، عنه».

وعده في رجاله (تارة) من أصحاب الرضا (ع)، قائلا: «محمد بن عيسى بن عبيد، بغدادي».

و(أخرى) في أصحاب الهادي (ع)، قائلا: «محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، يونسي، ضعيف».

و(ثالثة) في أصحاب العسكري (ع)، قائلا: «محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني: بغدادي يونسي».

و(رابعة) فيمن لم يرو عنهم (ع))، قائلا: «محمد بن عيسى اليقطيني، ضعيف».

وعده البرقي (تارة) في أصحاب الهادي (ع)، قائلا: «محمد بن عيسى بن عبيد، يقطيني، قال له إسحاق (اقعد حتى) قال: لم أؤمر بذلك».

و(أخرى) في أصحاب العسكري (ع) قائلا: «محمد بن عيسى بن عبيد يقطيني».

·        وقال الكشي: أبو جعفر محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين: «قال نصر بن الصباح: إن محمد بن عيسى بن عبيد، من صغار من يروي عن ابن محبوب في السن. علي بن محمد القتيبي، قال: كان الفضل يحب العبيدي و يثني عليه و يمدحه و يميل إليه، و يقول: ليس في أقرانه مثله».

·        ورأي السيد الخوئي: (أنك عرفت من النجاشي وثاقة الرجل، بل هو ممن تسالم أصحابنا على وثاقته و جلالته، و يؤكد ما ذكره النجاشي ما تقدم في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى، من قول ابن نوح: «و قد أصاب شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله، و تبعه أبو جعفر بن بابويه ((رحمه الله)) على ذلك، إلا في محمد بن محمد بن عيسى بن عبيد، فلا أدري ما رأيه فيه، لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة». وما تقدم في ترجمة محمد بن سنان، من قول الكشي: «و قد روى عنه الفضل، و أبوه، و يونس، و محمد بن عيسى العبيدي .. و غيرهم من العدول و الثقات من أهل العلم». و ما مر من أن الفضل بن شاذان كان يحب العبيدي، و يثني عليه و يمدحه و يميل إليه، و يقول: ليس في أقرانه مثله. و يؤيد ذلك ما مر من قول جعفر بن معروف: صرت إلى محمد بن عيسى .. (إلى آخر ما تقدم). و ما تقدم في ترجمة الفضل بن شاذان من قول بورق: خرجت حاجا فأتيت محمد بن عيسى العبيدي، فرأيته شيخا فاضلا (الحديث) هذا و لا يعارض ذلك تضعيف الشيخ إياه في غير مورد كما مر). ثم قال عن الشيخ الطوسي: (وقال في الإستبصار: الجزء 3، في ذيل الحديث 568، باب أنه لا يجوز العقد على امرأة عقد بها الأب والابن: إن هذا الخبر مرسل منقطع، وطريقه محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، وهو ضعيف، وقد استثناه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ((رحمه الله)) من جملة الرجال الذين روى عنهم صاحب نوادر الحكمة، وقال: ما يختص بروايته لا أرويه، ومن هذه صورته في الضعف لا يعترض بحديثه (انتهى)).

واضاف السيد الخوئي: (فالمتلخص أن ابن الوليد، والصدوق لم يضعفا الرجل، وأما الشيخ فلا يرجع تضعيفه إياه إلى أساس صحيح، فلا معارض للتوثيقات المذكورة. الأمر الثاني: أن الشيخ نسب القول بغلو محمد بن عيسى بن عبيد إلى قائل مجهول، والظاهر أن هذا القول على خلاف الواقع، لقول ابن نوح إنه كان على ظاهر العدالة والثقة، وقد عرفت من كلام النجاشي وغيره جلالة الرجل من دون غمز في مذهبه). ولكن مما قاله السيد الخوئي في موضع آخر عن ابن نوح الذي هو من شيوخ النجاشي: (وقال الشيخ: أحمد بن محمد بن نوح، يكنى أبا العباس السيرافي، سكن البصرة، واسع الرواية، ثقة في روايته. غير أنه حكي عنه مذاهب فاسدة في الأصول. مثل القول بالرؤية، وغيرها)! فإذا كان ابن نوح فاسد العقيدة فكيف نستدل بتوثيقه على سلامة عقيدة راوٍ آخر[57]؟! فبصورة عامة من الطبيعي ان فاسد العقيدة يوثق الذين من امثاله، اليس كذلك؟!

واشار السيد الخوئي الى تناقض العلامة الحلي في موقفه منه، قال: (العلامة ذكر محمد بن عيسى بن عبيد في القسم الأول، وقال: اختلف علماؤنا في شأنه (إلى أن قال) والأقوى عندي قبول روايته. الخلاصة: (22) من الباب (1) من حرف الميم. إلا أنه قال في ترجمة بكر بن محمد الأزدي من الباب (4)، من حرف الباء: قال: (الكشي: قال حمدويه: ذكر محمد بن عيسى العبيدي بكر بن محمد الأزدي فقال: خير، فاضل)، وعندي في محمد بن عيسى توقف. و التناقض بين الأمرين ظاهر)[58]!

·        وكتب السيد محمد رضا السيستاني: (أن الاصح هو ما ذهب إليه أصحابنا البغداديون من وثاقة محمد بن عيسى بل وجلالته)[59].

إذن هذا الراوي ثقة. ولكن أن تظهر رواية هي عمدة مباديء الغلو عند المغالين ويكون هذا الراوي في سندها - بعد ما نقلناه عنه - هو أمر بحاجة الى التأمل.

 

* وأما بخصوص الحسن بن راشد: قال الشيخ الطوسي في الفهرست: (الحسن بن راشد 1. له كتاب الراهب والراهبة، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن ابن الوليد، عن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد)[60].

 

قال الغضائري: (الحسن بن راشد، مولى المنصور، أبو محمد. روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن موسى ( عليهما السلام ). ضعيف في روايته)[61].

وفي جامع الرواة: (الحسن بن راشد مولى بنى العباس كوفي [ ق. قى ] فيمن أدرك الكاظم عليه السلام من أصحاب الصادق عليه السلام بعد أن قال في أصحابه عليه السلام حسن بن راشد مولى بنى - العباس وكان وزير للمهدي وموسى وهرون بغدادي وفي [ ظم ] حسين بن راشد مولى بنى - العباس بغدادي وفي [ صه ] قال ابن الغضائري الحسن بن راشد مولى المنصور أبو محمد روى عن أبي عبد الله وأبى الحسن موسى عليهما السلام ضعيف في روايته وفي [ست] الحسن بن راشد له كتاب الراهب والراهبة رواه القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد)[62]. والظاهر ان هناك خلطاً في هذا النص بين الحسن بن راشد الذي حفيده القاسم بن محمد وبين الحسن بن راشد مولى بني العباس!

وذكره السيد الخوئي في معجمه الجزء الخامس برقم (2819)  دون أن يبين فيه توثيق أو تضعيف! ومع ذلك فقد كتب الشيخ محمد الجواهري في كتابه (المفيد من معجم رجال الحديث) النص التالي حوله: (وثقه الشيخ والمفيد وبعض الصحاح دالة على وثاقته أيضاً)[63]! وذكره كراوٍ واحد يحمل هذا الأسم بينما السيد الخوئي ميّز بين خمسة رواة يحملون نفس الأسم (الحسن بن راشد) هم:

1.     الحسن بن راشد: فقيه وشاعر وأديب. ولم يذكر له رواية.

2.     الحسن بن راشد: الذي حفيده القاسم بن محمد. {المعني ببحثنا هذا}.

3.     الحسن بن راشد الطفاوي: نص النجاشي على ضعفه.

4.     الحسن بن راشد: مولى بني العباس، قال ابن الغضائري: ضعيف في روايته.

5.     الحسن بن راشد: ابا علي، مولى لآل المهلب، ثقة، من أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام).

فالمعني ببحثنا هذا مجهول الحال حيث لم يرد فيه توثيق أو تضعيف!

 

 

* وأمّا القاسم بن يحيى، فقد قالوا فيه:

في رجال النجاشي: (ذكر أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويه كتاب الراهب والراهبة، رواية محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد في فهرسته)[64].

قال الغضائري: (القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد، مولى المنصور. روى عن جده. ضعيف)[65].

وقال العلامة الحلي: (القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد، مولى المنصور، روى عن جده، ضعيف)[66].

وقال ابن داوود الحلي: (القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد مولى المنصور ضا ( جخ ) روى عن ( جده ) ضعيف)[67].

وفي التحرير الطاووسي: (والقاسم بن يحيى ابن الحسن بن راشد مولى المنصور روى عن جده ضعيف، قاله ابن الغضائري)[68].

وفي طرائف المقال: (القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد مولى المنصور، روى عن جده ضعيف " صه " له كتاب فيه آداب أمير المؤمنين عليه السلام عنه الاحمدان ومحمد بن عيسى، وفي " مشكا " ابن يحيى عنه محمد بن عيسى وأحمد بن محمد وإبراهيم بن هاشم)[69].

وفي جامع الرواة: (القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد مولى المنصور روى عن جده ضعيف)[70].

وقال السيد الخوئي: (لا يبعد القول بوثاقة القاسم بن يحيى لحكم الصدوق بصحة ما رواه في زيارة الحسين عليه السلام، عن الحسن بن راشد، وفي طريقه إليه: القاسم بن يحيى، بل ذكر أن هذه الزيارة أصح الزيارات عنده رواية. الفقيه: في زيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام، الحديث (1614 و 1615)، حيث إن في جملة الروايات الواردة في الزيارات ما تكون معتبرة سندا، ومقتضى حكمه مطلقا بأن هذه أصح رواية يشمل كونها أصح من جهة السند أيضا، ولا يعارضه تضعيف ابن الغضائري لما عرفت من عدم ثبوت نسبة الكتاب إليه)[71].

وقال السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج: (إنّه قد يناقش في الرواية بأنّ في سندها القاسم بن يحيى كما في طريق الكليني والشيخ، أو القاسم بن محمّد الأصبهاني كما في طريق الصدوق، ولم يرد فيهما توثيق، ولكنّ الصحيح أنّ القاسم بن يحيى ثقة، لوقوعه في اسناد كامل الزيارات، فإذن لا وجه للمناقشة في سندها)[72]. غير ان السيد الخوئي عدل عن رأيه بخصوص وثاقة من يرد في اسانيد كامل الزيارات في نهاية عمره الشريف، فلا وجه للقول بوثاقة القاسم بن يحيى من هذه الجهة.

وقال السيد محمد رضا السيستاني القاسم بن يحيى غير موثق[73].

 

وبعض العلماء ذهبوا الى ان جميع من هم في اسانيد كتاب (كامل الزيارات) هم ثقات لقول مؤلفه ابن قولويه في مقدمة كتابه: (ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال)! ولذلك فقد اعتبروا موضوع الزيارة عن بُعد من المسلَّمات! وانتشر هذا الامر طيلة قرون!! بينما ذهب علماء آخرون الى ان شيوخ ابن قولويه في هذا الكتاب هم فقط الثقات، وقد ذهب الى هذا الرأي آية الله العظمى السيد الخوئي (رضوان الله عليه) في اواخر حياته الشريفة. بينما ذهب آية الله العظمى سماحة السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) الى "انَّ المستفاد منه وثاقة بعض من وقعوا في سلسلة اسانيد الروايات ولا يتعين ان يكون من مشايخ المؤلف بلا واسطة بل ربما يكون من مشايخ مشايخه" ومقتضى ذلك "ان لا يتيسر اثبات وثاقة احد بوقوعه في اسانيد كامل الزيارات وان كان من مشايخ المؤلف"[74].

فالرواية إذن لا تساعد على القول بالتفويض ولا بالولاية التكوينية الصوفية، لا من حيث سندها ولا من حيث مضمونها.

 

رواية "اجعلونا مخلوقين وقولوا بنا ما شئتم" في بصائر الدرجات

اما الرواية التي ذُكِرَتْ في بصائر الدرجات ونصها: [حدثنا احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن برده عن ابي عبد الله (عليه السلام) وعن جعفر بن بشير الخزّاز عن اسماعيل بن عبد العزيز قال قال ابو عبد الله (عليه السلام): (يا اسماعيل ضع لي في المتوضّاء ماء)، قال فقمت فوضعت له قال فقلت في نفسي انا اقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضّاء، قال فلم يلبث أن خرج فقال: (يا اسماعيل لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم اجعلونا مخلوقين وقولوا بنا ما شئتم ولن تبلغوا)][75]. وفي هامش المصدر في البحار (فينا) بدل من (بنا). فمشكلة هذه الرواية من عدة جهات ابرزها:

v    أنها من مرويات بصائر الدرجات وهو من كتب الوجادة وهي غير الموثوقة تماماً في نسبتها الى مؤلفيها في طبعاتها الحديثة. وقد اشار الى هذه المشكلة كلٌ من: السيد الخوئي في كتابه معجم رجال الحديث، والسيد محمد باقر الصدر في كتابه (شرح العروة الوثقى)، والسيد كاظم الحائري في كتابه (مباحث الاصول)[76].

وأبرز كتب الوجادة من نفس النوع:

·        التفسير المنسوب للامام العسكري (عليه السلام): وممن شكك بصحة انتسابه للمعصوم (عليه السلام): ابن الغضائري في كتاب (الضعفاء)، والعلامة الحلي في كتاب (الخلاصة)، والمحقق الداماد صاحب كتاب (شارع النجاة)، والتفرشي في كتاب (نقد الرجال)، والأسترآبادي صاحب كتاب (منهج المقال)، والأردبيلي صاحب كتاب (جامع الرواة)، والعلامة الشيخ محمد جواد البلاغي في تفسير (آلاء الرحمن)، والمحقق التستري صاحب كتاب (الأخبار الدخيلة)، والشيخ أبو الحسن الشعراني صاحب كتاب (حاشية مجمع البيان)، والسيد الخوئي في كتاب (معجم رجال الحديث). و الشيخ حسين معتوق في كتابه (الانصاف في مسائل الخلاف).

·        تفسير القمّي: ممن ذهب الى ذلك أو شكك به: الشيخ محمد آصف المحسني في كتابه (بحوث في علم الرجال)، الشيخ اسد الله التستري الكاظمي في كتابه (كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع)، وآقا بزرگ الطهراني في كتابه (الذريعة الى تصانيف الشيعة)، والسيد محمد رضا السيستاني في كتابه (وسائل الإنجاب الصناعية، دراسة فقهية)، والشيخ جعفر سبحاني في كتابه (كليات في علم الرجال).

·        الاختصاص للشيخ المفيد: ممن ذهب الى ذلك: السيد الخوئي في كتابه (معجم رجال الحديث)،  السيد محمد باقر الصدر نقلا عن السيد كاظم الحائري في كتابه (مباحث الاصول)، الشيخ حسين معتوق في كتابه (الإنصاف في مسائل الخلاف).

·        الأمالي للشيخ الصدوق: كما في نقد (آية الله كمره اي) لكتاب الأمالي بترجمته الفارسية حيث بيّن بعض الاشكالات فيه.

·        مصباح الشريعة المنسوب للامام الصادق (عليه السلام): العلامة المجلسي في (بحار الانوار)، الحر العاملي ينقل عنه الميرزا النوري الطبرسي في (خاتمة المستدرك)، و الميرزا عبدالله افندي الاصفهاني صاحب (رياض العلماء) كما نقله رمضان لاوند في كتابه (الامام الصادق {عليه السلام} علم وعقيدة)، والسيد الخميني في (المكاسب المحرمة)، والسيد الخوئي في (مصباح الفقاهة).

ولتفصيل هذا الأمر يمكن مراجعة رسالتنا الموسومة: (مناقشة أصالة ستة من كتب الوجادة).

 

v    كما أنها مروية عن (اسماعيل بن عبد العزيز) وهو مجهول حيث لم يرد فيه توثيق ولا مدح!

وكذلك (جعفر بن بشير الخزاز) ايضاً مجهول.

و(الحسين بن برده) أيضاً مجهول، وربما يكون هو نفس (الحسين بن الحسن بن برد الدينوري) وهو أيضاً مجهول.

و(الحسين بن سعيد) أيضاً مجهول!

وقد ذكرنا في فقرات سابقة المقال المهم للشيخ جويا جهانبخش بعنوان ("نزلونا عن الربوبية" أمنع حصون الغلاة وتدليساتهم) والذي يناقش هذه الرواية بطرقها المتعددة[77].

 

مناقب الأئمة (عليهم السلام) بين التفسير بالسعة والضيق

نعود الى مقال السيد المدرسي حيث يقول: (ولفترةٍ طويلة، لم يكن هناك اختلافٌ يذكر بين الاتجاهين، سوى في أرجاء بعض المصادر والمنقولات، وكذلك في التفسير المضيّق أو الموسّع لبعض النصوص الدينية، والذي كان يُعبَّر عنه أحياناً بالسعة والضيق في بيان مناقب الأئمّة وفضائلهم).

وهنا في هذه المرحلة التي تحدث عنها السيد المدرسي ظهر بعض رجال الدين بالرغم من البعد العلمي الذي يتمتعون به في مواقفهم وأفكارهم وإذا بهم ينجذبون بتأثير العاطفة الى بعض روايات الآحاد في كتب وجادة او كتب غير معتبرة فظهرت منهم اتجاهات عاطفية في مواقفهم من مقامات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وصفاتهم يرتفع بعضها الى مواقف غلو أو قريبة من الغلو!

فتمكنت بعض الأفكار الصوفية من اقتحام قلعة التشيّع العظيمة من خلال بعض التفسيرات الباطنية وبعض الاشخاص المحسوبين على الشيعة بزي رجال الدين!! وإذا بالتصوف والفلسفة وتراث ابن عربي الصوفي ضمن خلطة جمعتهما مع الشريعة تحت مسمى جديد يعرف بالعرفان أصبح واقعاً لا يمكن التخلص منه في داخل "البيت الشيعي"!

 

العرفانيون وإحياء فكر المفوضة

ثم تحدث السيد المدرسي عن ظهور العرفان[78] ذو الخلطة الثلاثية: التصوّف والفلسفة والشريعة! فقال: (واستمرّ الوضع على هذا الحال إلى أن ظهر مؤخَّراً تحليلٌ فلسفي ـ باطني، تبنَّتْه مجموعة شيعية من روّاد المدرسة الفلسفية، يحمل في طيّاته أيديولوجيا جديدة، تمثِّل إلى حدٍّ ما إحياءً لفكر «المفوّضة»، الجماعة الشيعية التي اشتهرت في عهدٍ سابق).

وهذا النص يربط به السيد المدرسي بين لوازم ونتائج أفكار المدرسة العرفانية التي اسسها ملا صدرا والتي تسمى أيضاً بالحكمة المتعالية، ومن بعدها المدرسة الشيخية، وبين المفوّضة. فالمدرسة العرفانية تتبنى ظهور الانسان الكامل ذي الولاية العامة على الكون والذي سبق له أن انتج الكون باعتباره "واسطة الفيض" - وهو تعبير صوفي يجافي مفهوم "الخلق" - وحسب قاعدة مزعومة تبنّوها وورثوها عن الفلسفة اليونانية تقول: "الواحد لا يصدر عنه الا واحد"! فيكون هذا الواحد الذي صدر[79] عن طريق "الفيض" عن الإله هو المنتج للكون وهو الذي ينتج عنه الحياة والرزق للكائنات. وتأسس على أثر هذه المزاعم مصطلح "الولاية التكوينية"! فهي، فيما يبدو، وجه ثاني لعملة التفويض التي تقول بانَّ الإله فوّض للأئمة الأطهار (عليهم السلام) ولاية الكون وإدارته وفي مقدمتها الخلق والرزق! أو قد تكون ذات خطوة أبعد منها وأكثر منها خطورة بإعتبار أنها تستند الى شبهات خدعت بعض رجال الدين وجعلتهم يسيرون في فلكها!!

وهناك يبرز تساؤل وهو ما أدرانا أنَّ الأسس الفكرية للمفوضة لم تكن مستندة الى نفس هذه المبادىء الصوفية العرفانية والفلسفية في صورة مبكرة او بدائية لها أو ربما تكون صورة بنفس المتانة الفكرية التي ظهرت فيما بعد على يد ابن عربي وملا صدرا والشيخ الاحسائي، فنحن لم يصل الى يدينا التراث الفكري للمفوضة بصورة متكاملة ومفصّلة وواضحة، ربما لأنه طمس بسبب لعن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) لهم، وبذلك استمر المفوضة بتداول أفكارهم بصورة شفاهية وسرّية من جيل لآخر أو بما دسّوه في بعض الكتب بعد إنغماسهم وتسترهم بين الشيعة! فضلاً عن أنَّ ترجمة الكتب اليونانية الممتلئة بالفلسفة والغنوصية قد حدثت في وقت مبكر في التاريخ الاسلامي ابتداءً من جهود خالد بن يزيد في العصر الأموي ثم جهود هارون والمأمون في العصر العباسي.

وعن البدايات المبكرة لتعريب الكتب الغنوصية كتب الدكتور خالد يوسف صالح: (أما تعريب العلوم فقد بدأت المحاولات الأولى فيه خلال العصر الأموي وكانت على الأغلب جهـود فردية وعلى نطاق ضيق و اقتصرت على العلوم العملية كالطب والفلك والمنطق والفلسـفة والهندسـة، كمـا عربت بعض الألفاظ اليونانية وأطلقوا عليها كلماتها الأصلية مثل البرجد (وهو كساء غليظ مخطط) وأسماء أشياء أخرى عرفها العرب بعد اتصالهم بالروم كالزبرجد والزمـرد واليـاقوت ومقـاييس وأوزان رومانيـة كالقيراط والأوقية وأسماء طبية أو نباتية كالقولنج والبرقـوق أو كلمـات نصـرانية كالجـاثليق والبطريـق وغيرهم . وقد توسعت حركة التعريب خلال القرن الأول الهجري بتأثير المسيحيين ورغبة بعـض الأمـويين فكان خالد بن يزيد الأول (ت ٨٥ هـ / ٧٠٥ م) عالماً وأديباً ومن أول المحبين لعلوم اليونان حيـث أمـر بترجمة الكتب في علم الهيئة والطب والكيمياء . يعد خالد من أبرز من أثر عنهم اهتمامهم بالعلوم العربية والأجنبية تشجيعاً واشرافاً ومساهمة، فقـد أجمع المؤرخون على وصفه بالعقل والعلم والحكمة . ولا يعرف الشيء الكثير عن الدوافع الكامنة وراء اهتمام خالد بالعلم سوى ما أشار إليه أبن النـديم (ت ٣٨٥ هـ / ٩٩٥ م) في معرض حديثه عن خالد أن الأخير قد سئل عن سبب اشتغاله الصنعة (الكيمياء) فأجاب بقوله : "ما اطلب بذاك إلا أغني أصحابي وأخواني، أني طمعت في الخلافة فاختزلت دوني، فلم أجـد منها عوضاً ألا أن أبلغ أخر هذه الصناعة فلا أحوج أحداً عرفني يوماً أو عرفته إلى أن يقف ببـاب سـلطان رغبة أو رهبة "دفع اهتمام خالد بالعلم والبحث عن كتبه عبر رحلاته إلى الرغبة بتعريب هـذه الكتـب والأشـراف عليها وجلب المترجمين لها فقد ترجمت له كتب في الكيمياء والطب والفلك والفلسفة فضلاً عـن كتـب فـي الآلات والصناعات من اليونانية والقبطية والسريانية إلى العربية. أتجه خالد بن يزيد إلى صناعة الكيمياء ليستعيض بها عن الجاه والمال الذي كان يتوقعه من الخلافة ذلك أن علم الكيمياء في ذلك العصر كان قد أقتصر فقط على ألاعتقاد بأنه فـي الأمكـان تحويـل المعـادن الرخيصة مثل: القصدير والرصاص الى معادن ثمينة مثل الذهب والفضة.  كان أول نقل في الحضارة الإسلامية على يد خالد بن يزيد عندما قام إصطفن بنقل كتـب الصـنعة له. كما كان خالد أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء. كما نقل له مريانوس الراهب بعض كتب المنطق والصنعة وغيرها، إلاّ أن حركة النقل في العصر الأموي كانت ضيقة محـدودة وتعتمـد على الجهود الخاصة والرغبة الفردية. كان خالد أول عربي مسلم أتجه ذهنه إلى العلوم القديمة والى معالجتها والتأليف فيها، كذلك يظهر لنا من كتابات المؤرخين العرب المتأخرين عن عصر خالد – والذين ذكروا أنهم رأوا بأنفسـهم كتبـه العلميـة ونتاجه الادبي – أن كتابات خالد ظلت متداولة عدة قرون)[80].

إذن لا يبعد أن يكون فكر المفوضة ينتمي لنفس الافكار الغنوصية الصوفية التي تحدثت عن التحكم بالكون وإدارته من غير طرق الوحي والنبوة. ولا يبعد أن تكون هناك مشتركات فكرية بين الغنوصيين والصوفية والمفوضة.

ورب قائل بأنَّ المفوضة هم طائفة انقرضت بعد عصر الغيبة الصغرى ولم يعد لها وجود فلماذا نشغل انفسنا بها! والجواب أنَّ هذا الاعتراض يمكن تقريب خطأه بدعوى وجود المنافقين في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) واختفاؤهم واختفاء ذكرهم بعد وفاته (صلى الله عليه وآله)، فهل فعلا اختفى المنافقون بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) أم أنهم استمروا بمسميات جديدة بعد استيلائهم على السلطة آنذاك وإنتاجهم للإسلام الأموي؟! ونفس الأمر هنا، فهل نتوقع انَّ المفوضة اختفوا بعد عصر حضور الأئمة الأطهار (عليهم السلام) والغيبة الصغرى أم أنَّهم استمروا بمسميات جديدة ولجأوا الى الاندماج بالشيعة وعدم التميّز عنهم حماية لأنفسهم، ولذلك نجد الشيخ الصدوق (305-381)هـ يحذر من تستر المفوضة المندسين بين الشيعة، وذلك حينما قال وهو يتحدث عن الأذان الشرعي الصحيح: (والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا في الاذان " محمد وآل محمد خير البرية " مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله "أشهد أن عليا ولي الله" مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك "أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا" مرتين ولا شك في أن عليا ولي الله وأنه أمير المؤمنين حقا وأن محمدا وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الاذان. وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض، المدلسون أنفسهم في جملتنا)[81].

فالمفوضة لم ينقرضوا بعد عصر الغيبة الصغرى بل استمروا متسترين ويعملون بسريّة، ولا نعرف على وجه اليقين والدقة الابعاد التي نجحوا في الوصول اليها في محاولتهم للسيطرة على الفكر الشيعي، ولكن نعرف أنَّ هناك أفكاراً غالية ظهرت خلال القرون المنصرمة، ولا ندري هل هي بجهود التيار السرّي للمفوضة واجيال المتسترين منهم أم هي نتيجة اختراق جديد للفكر الصوفي العرفاني متمثلاً بتعاليم حيدر الآملي وملا صدرا المنتمية لتراث ابن عربي، وإنتاج التيار العرفاني الكشفي والشهودي متمثلاً بمدرسة الحكمة المتعالية التي أسسها ملا صدرا. ومن ثمَّ ظهور المدرسة الشيخية التي اسسها الشيخ أحمد الاحسائي!!

 

مزاعم المفوضة بخالقيّة ورازقيّة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)

ويضيف السيد المدرسي: (وبمقتضى هذه الأيديولوجيا فإن المرتبة الوجودية التي يحتلّها أئمّة أهل البيت من سلسلة مراتب عالم الوجود هي مرتبة المشيئة الإلهية، بمعنى أنّهم يجسِّدون عملياً إرادة الحقّ تعالى في عالم الخلقة. واللازم الحتمي لذلك هو الاعتقاد بخالقيّة ورازقيّة الأئمّة الأطهار، منذ الأزل وإلى الأبد، وعلمهم اللامتناهي والفعلي بما كان وما يكون وما هو كائنٌ، وقدرتهم المطلقة وتصرُّفهم بسائر عالم الوجود)!

وهذه العقائد لم يذكرها القرآن الكريم ولا هي موجودة في روايات الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، ولا عرفها الشيعة وعلماؤهم الأبرار في القرون العشرة الاولى، وإنما بدأت هذه الأفكار تتسرب الى التشيّع أولاً من خلال بعض المغالين الذين تصدى لهم الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وبينوا انحرافهم ولعنوهم، ثم بعد ذلك في عصر الغيبة الكبرى بأتت تتسرب الى الفكرالشيعي عبر المغالين المتستّرين وعبر تغلغل التصوّف في فكره لاسيما تراث ابن عربي عبر أشهر أثنين نثرا بذور التصوف وتراث ابن عربي في التشيّع وهما سيد حيدر الآملي (القرن 8 الهجري) وملا صدرا (980-1050)هـ[82]، ثم اتسعت دائرة المعتنقين لهذه الأفكار بعد ظهور الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي (1166-1241)هـ وتلميذه سيد كاظم الرشتي (1212-1259)هـ[83]، والذين ساهموا وتلاميذهم في أن يتخذ الغلو ابعاداً جديدة! ثم ظهور بذور تيار يعتمد في العقيدة على منهج الاخباريين، رغم أنه في الفقه من الأصوليين!، فيلتقط كل رواية آحاد معتبرة او غير معتبرة، يجدها في كتاب مناولة أو كتاب وجادة أو كتاب مغمور لا يعرف عنوانه، ويبني عليها متبنيات عقائدية خطيرة!

إنَّ قول المغالين بخالقيّة ورازقيّة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وأنَّ "الفيض الإلهي" مرتبط بهم ومنتج لهم من حيث أنَّ "الواحد لا يصدر عنه إلا واحد" بحسب زعمهم، وهذا "الصادر الوحيد" الذي صدر عن "الفيض الإلهي" هو "الحقيقة المحمدية" وهو الذي بيده مقدرات الكائنات من خلق ورزق وشفاء وكافة مقدراتها الأخرى! 

بل أنَّ القول بمصطلح (الفيض) الذي يحمل معنى وحدة السنخية والذي يخالف مصطلح (الخلق) في اللوازم والنتائج، يجعل هذه العقيدة مبنية على الغلو وقريبة - إنْ لم تكن مماثلة - لعقيدة النصارى (المسيحيين) إن لم تكن من منبع واحد، فهؤلاء أيضاً اتباعاً لمذهب افلوطين يقولون بفيض الإله لأبنه الوحيد وهو المسيح والمسيح هو خالق العالم والمسؤول عن مقدّراته! وهؤلاء الصوفية بمختلف مشاربهم (اتباع تراث ابن عربي أو اتباع تراث الاحسائي) يقولون بأن الإله لم يصدر عنه بالفيض سوى كائن واحد يسمونه الصادر الاول أو العقل أو الحقيقة المحمدية، ومن هذا الصادر الاول انبثقت كل الاشياء والمخلوقات!! وهو مصداق للحديث الشريف: (لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه. قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: فمَن)، ومصداق لما جاء في تفسير قوله تعالى: ((لتركبن طبقاً عن طبق)): (حالاً بعد حال ... وعن الصادق (عليه السلام) لتركبن سنن مَنْ قبلكم)[84]. فما يقولونه بالفيض قالته المسيحية بالولادة، وما قالوه بأن المسيح الابن الوحيد للأب هو خالق الكون، قاله الصوفية ومن سار على نهجهم بنظرية الصادر الوحيد (الواحد لا يصدر منه الا واحد) وانَّ هذا الصادر الوحيد هو خالق الكون!! وانَّ هذا الصادر الوحيد هو الحقيقة المحمديّة والحقيقة العلوية في إشارة منهم إلى وجود حقائق آل البيت (صلوات الله عليهم) جميعهم!! ولذلك يذهب قائلهم الى أنَّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) هم الخالقون وهم الرازقون وهم مسببوا الأسباب وأنهم مطّلعون على جميع شؤون الناس ويعلمون جميع أفعالهم!! ثم يزعمون ان لا غلو في عقيدتهم!!؟

بل إذا اردنا ان نتعمق في كلام اهل العرفان النظري ونتتبع بعض اشاراتهم وأفكارهم في كتبهم حيث يقولون بأنَّ الله تبارك وتعالى بما انَّه قديم، وهو دائم الجود وهو لذلك دائم الفيض، وهذا معناه انَّه كلما كان الإله موجود، ووجوده قديم، ففيضه أيضاً قديم، وما هو فيضه سوى الصادر الأول والوحيد الذي يسمونه "الحقيقة المحمدية" عند اهل العرفان النظري، ويقابله أقنوم المسيح عند النصارى! فتكون "الحقيقة المحمدية" قديمة أو بتعبيرهم محدثة زماناً لا ذاتاً لأنها موجودة بوجوده تعالى!! فهل هناك خذلان وشرك أعظم وأوضح من هذه الأفكار والعقائد التي يروجّون لها بين المسلمين بسريّة وهدوء، كدبيب النمل! وهي نتاج الغنوصية التي سبق ان اخترقت دعوة المسيح (عليه السلام) عبر إنحرافات بولس وأتباعه!

 

تنامي الغلو بين الأمس واليوم

ويقول السيد المدرسي: (أمّا ما نشاهده في يومنا هذا من محاولات نفي أو إنكار مثل هذه المعتقدات، يقوم بها بعض المنتمين لهذا الاتجاه، مستندين إلى كلمات كبارٍ لم تكتب لهم الحياة ليشاهدوا إلى أيّ مدى وصل إليه طغيان هذا التيار المتطرِّف، أو ما نلاحظه من تسطيح للفكرة، فما هي إلاّ ممارسات ذكية لتعزيز الفكرة التي تستلزم حتميّة الاعتقاد بخالقيّة الأئمّة ورازقيّتهم وقدرتهم وعلمهم المطلق، وتكريسها تدريجياً. إلى ما قبل نحو قرنين من الزمن لم نكن نلاحظ على الصعيد الاجتماعي وجود مثل هذا التيار المتطرِّف، سوى ضمن نحلة مذهبية خاصة، تمثِّل أقلِّية تستوطن قريتين من قرى إيران، وتتبع وجهاً آخراً لهذه العقيدة. وبالرغم من المبرِّرات الواهنة وغير المعقولة التي يسوقها أتباع هذه الاتجاه، إلاّ أنهم ـ وعلى ما يبدو ـ يدركون منافاة هذه الفكرة مع أصل التوحيد، الذي يقوم عليه الإسلام والتشيُّع الصحيح).

والظاهر أنَّ في هذه الفقرة نوع من الاخفاق في الترجمة العربية لأنها غير واضحة المقصد تماماً، وبالرجوع الى السيد المدرسي ومراسلته أيّد أنَّ الترجمة العربية لهذه الفقرة غير واضحة، وبيّن انَّه لم يذكر (قريتين) كما في النص بل ذكر (بلدين) وهما خرّمشهر (محمّرة) وأرومیّة (رضائیة سابقاً) وأنّ هذا القسم من الخطاب کان موجّهاً الی جماعة الأخباریة حیث بقیت الأخباریة هناك إلی أوائل الثورة ثمّ نقص عددهم و ضؤلت مکانتهم[85]. وهذا يكشف عن أنَّ الغلو إنما يترعرع جانب كبير منه في ظل المنهج الأخباري والاعتماد غير العلمي على كتب الوجادة وروايات مجهولة المصدر والمفتقرة للاعتبار.

وربما يقصد السيد المدرسي كيف انَّ بعض رجال الدين يتحدثون بعبارات استغلها من اتى بعدهم من المتطرفين في الغلو ليعطوها ابعاداً "تستلزم حتميّة الاعتقاد بخالقيّة الأئمّة ورازقيّتهم وقدرتهم وعلمهم المطلق، وتكريسها تدريجياً"!

 

الفكر الديني المعاصر ورفض التفويض

ثم يتحدث السيد المدرسي بصراحة ووضوح قائلاً: (إن الفكر الديني المعاصر (أيّ فكر ديني سماوي متمحور حول وجود الله سبحانه) يرفض بأيّ شكلٍ من الأشكال فكرة الوحدانية القائمة على تفويض مجموعة مؤلَّفة من أربعة عشر شخصاً بشرياً، يسكنون هذا الكوكب الموسوم بالأرض، شأن خلق وإيجاد جميع الكائنات، منذ الأزل وإلى الأبد، ضمن وجود عابر للزمن، بالرغم من انتهائه إلى الله سبحانه، وكذلك شأن رزقهم وتدبير أمر الكون بكافّة أجزائه).

وفي الحقيقة ليس الفكر الديني المعاصر وحده هو الذي يرفض ذلك بل هي صميم دعوة جميع الأنبياء والرسل والأئمة المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، فهم لم ينادوا بمثل هذه الدعاوى بل أنَّ كل ما ورد على لسانهم الشريف هو الوحدانية الخالصة لله تبارك وتعالى، وهذه ادعيتهم المعتبرة والمأثورة المنقولة في التراث الشيعي الإمامي تشهد بذلك، ولا سيما الصحيفة السجادية المطهرة ودعاء كميل ودعاء الجوشن وغيرها من الأدعية المأثورة والمعتبرة والتي لا خلاف على صحة نسبتها للأئمة الأطهار (عليهم السلام).

وربما يقول قائل أنَّ هذا النص متأثر بقيم الحداثة ويجعل من الفكر الديني المعاصر السائد على علّاته وإخفاقاته الفكرية مرجعية لمذهب الشيعة الإمامية النقي الأصيل فيفرض عليه رؤيته المغايرة للحق! والأمر ليس كذلك، فلا مرجعية لمذهب الشيعة الإمامية إلا عقيدة وفكر وتراث آل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم)، والمعتبر منها الذي تناقلناه يداً بيدٍ عبر علمائنا الأبرار عنهم (عليهم السلام) يفيد رفض كل أشكال الغلو والخروج بهم عن صفاتهم البشرية. وإنَّ عقيدة "الصادر الأول والوحيد" التي ادخلها الفلاسفة والعرفانيون الغنوصيون في الفكر الشيعي سبقهم اليها بولس في حركته التشويهية والتحريفية لدعوة المسيح (عليه السلام)، وبيّن القرآن الكريم صراحةً رفضه لها.

ففي المسيحية التي انتجها بولس نجد المرتكزين التاليين:

·        المرتكز الأول: المسيح هو الأبن الوحيد للإله:

في انجيل يوحنا (1: 14): "والكلمة صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده، مجدا كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا".

وفي انجيل يوحنا (1: 18): "الآب لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر".

وفي انجيل يوحنا (3: 16): "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية".

وفي انجيل يوحنا (يو 3: 18) "الذي يؤمن به لا يدان. والذي لا يؤمن به قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد"

في رسالة يوحنا الاولى(4: 9): "بهذا أظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به".

·        المرتكز الثاني: المسيح خالق كل شيء:

تقول رسالة العبرانيين (1: 2): "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه، الذي جعله وارثا لكل شيء، الذي به أيضا عمل العالمين".

وفي إنجيل يوحنا (1: 3): "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان".

وفي رسالة بولس الأولى الى اهل كورنثوس (8: 6): "لكن لنا إله واحد: الآب الذي منه جميع الأشياء، ونحن له. ورب واحد: يسوع المسيح، الذي به جميع الأشياء، ونحن به"!

وفي رسالة بولس الى اهل افسس (9:3): (وأنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح)!

 

فهل هناك فرق بين قول المسيحية في المسيح الابن "الوحيد الصادر" عن الإله والذي خلق العالم - والصدور هنا يحمل معنى الفيض عند اهل العرفان النظري - وقول اتباع ملا صدرا واتباع الشيخ الإحسائي بوجود الصادر الأول والوحيد وهو "الحقيقة المحمدية" والتي خلقت العالم! وكلاهما لا يقولان بخلق الإله للمسيح أو للحقيقة المحمدية، بل هما من فيضه!!

وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما روي عنه: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، حتى أنه لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه . فقالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ، فقال عليه السلام : فمن إذا)[86].

اللهم إنّي أشهد انَّ عقيدة آل البيت المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم) التي توارثها الشيعة الإمامية عنهم (عليهم السلام) بريئة من هذه الأقاويل والعقائد الباطلة.

 

كتاب "الشهيد الخالد" وبدأ الجهر بالفكر المغالي!

ويقول السيد المدرسي مبيناً تاريخ تفاقم تلك الأفكار المغالية: (وفي العقود المتأخِّرة، وتحديداً منذ ظهور كتاب «الشهيد الخالد» في نهاية العقد الرابع من القرن الماضي، بدأ هذا الاتجاه الباطني المتطرِّف بالإعلان عن نفسه، بعد أن كان يخشى إظهار معتقداته أمام عامّة الناس. ونظراً لالتقاء الأفكار والمصالح مع متبنّيات الاتجاه الشيعي الراديكالي المتطرِّف ومصالحه قرَّر هذان الاتجاهان تشكيل جبهةٍ واحدة؛ لتأليف اتّجاهٍ نضاليّ جديد، عُرف فيما بعد بـ «الاتجاه الولائي»، أو «الولائيون»).

إنَّ مشكلة كتاب (الشهيد الخالد)[87] لمؤلفه الشيخ نعمت الله صالحي نجف آبادي ليس بما يحمله من مضامين فقط قد تحسب على الغلو، بل بما أثاره من ردود فعل على ما ورد فيه من افكار دفعت البعض للجهر بأفكار ذات طبيعة مغالية! والأمر الرئيسي يدور حول موضوع (علم الإمام) الذي يراه البعض علم واسع مطلق لدني! فيما ذهب مؤلف الكتاب الى انه محدود بحدود ما يعلمه الله تبارك وتعالى للإمام من علم. وبين هذين الأمرين تمّ تفسير احداث حركة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من إنطلاقه من مكة المكرمة والى استشهاده يوم الطف في كربلاء. وتصاعدت الأصوات الرافضة لمضامين هذا الكتاب وكثرت الردود عليه حتى قيل أنها وصلت الى ثلاثة عشر ردّاً! ولسنا بصدد تقييم صحة ما ورد في الكتاب او ردّه أو الوقوف الى جانب طرف ما، لكن هذا الكتاب اثار موضوع (علم الإمام) وكرد فعل عليه بدأ الجهر بعقيدة انَّ للإمام علم لدني مطلق!! ولعلّ آخرها ما صرّح به الشيخ الوحيد الخراساني قال: (علم الله تعالى هو العلم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة)، ثم يتحدث عن الإمام العسكري (عليه السلام) قائلاً: (إنه محيط "بعلم الله"، وعلم الله تعالى لا حد له ولا عد له) [88]!!

واما الكتاب نفسه - (الشهيد الخالد) - فقد وجدنا أنَّه تضمّن نصاً قد يفهم منه الغلو حيث كتب عنواناً فرعياً: (الجانب الروحاني للإمام) ونصّه: (للنبي والامام جانبان: 1- جانب روحانيّ. و2- جانبٌ بشريّ. من ناحية الجانب الروحانيّ يتمتع النبي والامام بمقامات يستحيل على الناس العاديين أن يدركوها {وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى}. أما من ناحية الجانب البشري فهم بشر كسائر البشر يأكلون ويشربون ويمرضون ويموتون. وهم - في هذا المستوى البشري – يقودون الناس. وقد بحثنا في هذا الكتاب ثورة الامام الحسين (عليه السلام) على أساس الجانب البشري ومستوى الحياة الاجتماعية للإمام حتى يمكن لحركته أن تكون أسوةً وقدوةً يقتدي بها الناس. ومن البديهي أنّه عندما تُدرَس ثورة الإمام من وجهة النظر البشرية لا ينبغي أن نتصور أن هذا يُنقِصُ شيئاً من الجانب الروحانيّ، ويأنسون بالناس ويفيضون عليهم بواسطة جانبهم البشري، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): {إنا صنايع ربُنا والناس بعدُ صنايع لنا}، أي إن الله تعالى في الدرجة الأولى أنعم علينا نحن معشر أهل بيت الرسالة بالوحي والدين، ثم نحن بعد ذلك علَّمناه للناس الذين استفادوا من فيضنا. وما مقام العصمة والشفاعة والتصرُّف في الكائنات بإذن الله التي يتمتَّع بها النبي والإمام إلا من تجلِّيات ذلك الجانب الإلهي، كما شق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) القمر فلقتين بإذن الله، وهذا المقام هو الذي يُطلَقُ عليه أسم {الولاية التكوينية})[89]، والنصّان المذكوران المنسوبان لأمير المؤمنين (عليه السلام) مذكوران في نهج البلاغة، غير انَّ فهمهما بالطريقة التي ذكرها مما لم يعرفه الشيعة قبل ذلك في القرون السابقة!

فهذا الكلام عن وجود جانب روحاني وجانب بشري في شخصية النبي والامام هل يختلف كثيراً عما يتحدث به النصارى من وجود جانب لاهوتي أي إلهي وجانب ناسوتي أي بشري في شخصية المسيح؟! فماذا يكون الغلو إن لم يكن هذا!

ونحن نؤمن انَّ مراتب (مقامات) آل البيت الأطهار (عليهم السلام) هي جميعها من حيث كونهم بشر، وفي مقدمتها مقام العصمة، ومقام الإمامة، ومقام العلم، ومقام الحلم، ومقام الشجاعة، وغيرها من مقاماتهم ومراتبهم الطاهرة العظيمة. فبشريتهم هي التي ترتقي وتتكامل، ولا يوجد فيها جانب إضافي روحاني منفصل عنها. وبهذا يكونون قدوة للناس ليأخذوا بتعاليمهم ويسيروا على خطاهم، وإلا لو كانت لهم مقامات روحانية في غير الجانب البشري فسيكون ذلك أفضل ذريعة للعصاة والفاسقين والمنحرفين عن ترك التمسك بالشريعة بأّنَّ هذه الشريعة لا يمكن التمسك بها لكون الأئمة المعصومين (عليهم السلام) إنما لهم جانب روحاني خاص بهم مضاف الى الجانب البشري (المكون من روح وجسد) جعلهم في هذه المرتبة العظيمة من التقوى والورع لحد العصمة، اما بقية البشر فيفتقرون للجانب الروحاني ولا يمكنهم السير بمنهج المعصومين (عليهم السلام) ولا الإقتداء بهم!!

وعلى صاحب كتاب (الشهيد الخالد) أن يبين ما هي "المقامات" التي أشار اليها بقوله: (من ناحية الجانب الروحانيّ يتمتع النبي والامام بمقامات يستحيل على الناس العاديين أن يدركوها)!! وإذا كان من المستحيل على الناس إدراكها فكيف ادركها صاحب الكتاب وأشار الى وجودها!!

وما هو الدليل على انَّ قول امير المؤمنين (صلوات الله عليه): (وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى) يعني أنَّ هناك جانب روحاني في المعصوم (عليه السلام) بعيد عن الجانب البشري!! فما هو الانسان سوى روح وجسد؟! والرواية عبّرت عن تركيب الإنسان بالروح والبدن، وهو الحق، لا كما أضاف صاحب (الشهيد الخالد) الى روح وبدن المعصوم (عليه السلام) جانب روحاني لاهوتي لم يقم على وجوده دليل معتبر من آية أو رواية!!

 

استغلال أجواء الثورة لنمو الغلو

ويضيف السيد المدرسي: (وبمرور الوقت (وخصوصاً في السنوات التي أعقبت الثورة في إيران، وبغياب النخب الثقافية والفكرية، التي كانت بعيدةً عن الواقع النظري؛ لانشغالها بالواقع العملي، الذي كان منصبّاً على تغيير نظام الحكم آنذاك) استغلّ هذا الاتجاه مشاعر الشيعة وعواطفهم تجاه أهل بيت النبيّ، لتكريس خطاب المغالين السابقين، وتجذيره في بنية المجتمع الشيعي. والملفت أنني اليوم قد سمعتُ من بعضكم، برغم البعد، وبالرغم من وجودنا في دولةٍ ومجتمع غير إسلاميّ، ولا يشكِّل الشيعة فيه سوى أقليّة قليلة، أنّ البعض منهم يحاول جاهداً الترويج للفكر المغالي، وتشجيع السلوكيات المتطرِّفة؛ ليساهم في شقّ الصف الشيعي، بوضع الشيعة مقابل الشيعة، ثمّ يتفاخر بما أقدم عليه، وفي الوقت ذاته يتجاسر على وليّ أمر المسلمين، الذي يدعوهم بكلّ شفقةٍ للاعتدال ونبذ التطرُّف!).

وربما نختلف قليلاً مع السيد المدرسي في هذه النقطة. فبعد إنتصار الثورة الاسلامية في إيران نعم يمكن ان تكون النخب الثقافية والفكرية آنذاك منشغلة بالتغيير والقضاء على بقايا النظام الملكي البائد، إلا انَّه في نفس الوقت فإنَّ التيار الديني المنتصر في الثورة والذي خضعت له الدولة هو التيار الشيعي العرفاني الصوفي، ولا يفوتنا ذكر أنَّ اهم كتاب من أدبيات الثورة الإسلامية هو كتاب الحكومة الإسلامية وفيه فقرة خاصة تتحدث عن الولاية التكوينية! فكان الجو الثقافي الذي سيطر على الدولة الشيعية الإيرانية النامية هو الجو الشيعي الصوفي الذي ينتصر لعقيدة الولاية التكوينية والذي بدأ التنظير له على مستوى الدولة وادواتها الثقافية وامتداداتها في مناطق أخرى خارج إيران. وبسبب ذلك تغلغلت أفكار ملا صدرا وتراث ابن عربي لتندمج بقوة في الثقافة والعقيدة الشيعية الإمامية وما انتجه ذلك من محاولة ترسيخ مفاهيم الحقيقة المحمدية "الصادر الأول والوحيد" في العقيدة الإمامية المعاصرة!! والذي يعني بدوره أنَّ للأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام) مهمة ودور الخلق والرزق والشفاء وإنزال الأسباب للكائنات جميعها!!

 

"الولاية التكوينية" والغلو!

وقال السيد المدرسي: (إن هذا الاتّجاه على المستوى الديني والعقيدي (الداخل ـ ديني) يصرّ بما لا يقبل الجَدَل على محورية ما يطلق عليه «الولاية التكوينية»، معتبراً أن تفسيره المتطرِّف هذا هو الركن الأساس، بل أهمّ ركنٍ من أركان التشيُّع الفاصل بين الحقّ والباطل، وكلّ تفسير أدنى من ذلك، أو لا يتَّفق معه، فهو تفسيرٌ معاند لأهل بيت النبيّ، ومخالف لضروريات المذهب، ومَنْ يشكِّك في صحَّته فهو ملعونٌ؛ لإنكاره فضائل الأئمّة الطاهرين، وهو موسومٌ بالسنّي أو الناصبي أو اليزيدي أو الوهّابي).

وأيضاً يسمون معارضي الافكار الدخيلة على التشيع من قبيل (الولاية التكوينية) وغيرها بالمقصّر والبتري!! مستبدلين المنهج الأصيل للاسلام المحمدي بمنهجهم المغالي المبني على الأهواء والأحلام والتخيلات الصوفية الغنوصية التي يسمونها الكشف والشهود والتي يحاولون بدعاواها الاستيلاء على التشيّع! والمشكلة أنَّ المعتنقين لبعض الأفكار الصوفية كالفيض والحقيقة المحمدية ليسوا جميعهم من صوفية الشيعة بل العديد منهم من المحاربين للتصوّف من بين الشيعة ومع ذلك تلقفوا عقيدة (الولاية التكوينية الصوفية) والمصطلحات المشار اليها بالقبول واعتبروها جزءً لا يتجزّء من التشيّع! وهذا مما رسّخ هذه العقيدة في ذهنية عموم الشيعة ولاسيما العديد من خطباء المنابر واعتبروها جزءً لا يتجزّء من عقيدتهم ووجودهم!

 

تمزيق التقيّة المداراتية ونبذها!

ويتحدث السيد المدرسي عن اتجاه سلوكي يقترفه بعض ذوي الأهواء والغلو فيقول: (وأما على المستوى السلوكي (الخارج ـ ديني) فهو يشجِّع الناس ويحملهم على التجاهر بالبراءة من مقدَّسات أكثر من مليار مسلم، ويحملهم على هتكها عَلَناً جهاراً، وقد يحدث ذلك أحياناً على مرأى ومسمع منهم، وأمام أنظارهم (كما يحدث في الهند وباكستان أيّام عاشوراء)، متجاوزين بذلك كلّ المبادئ الأخلاقية، والمصالح الإسلامية، في زمنٍ هو من أشدّ الأزمان ضراوةً على الإسلام والمسلمين).

وهذا النص يوضح انَّ شخصية المغالي مرتكزة على المجاهرة بأمرين: الغلو ونبذ التقيّة! فيجاهرون بالغلو من جهة ومن جهة اخرى بالسب والبراءة من بعض الشخصيات التي ارتقت عند بعض المسلمين من المذاهب المخالفة للحق الى كونها رموزاً مقدسة عندهم. وكلا الأمرين يصبان في تمزيق وحدة المسلمين وإرباك التعايش الأهلي فيما بينهم وتعريض السلم الأهلي في مجتعاتهم للخطر، فينشغلون في قضايا داخلية ويتركون اعدائهم يمرحون في بلاد المسلمين، وانتقلت معركة طمس الهوية الاسلامية الى داخل بلاد المسلمين جميعها! فضلاً عن أنَّ ايجاد صراع ديني ومذهبي وإجتماعي بين الدين والمذهب الحق وبقية الأديان ومذاهب المخالفين عادةً ما يصنع حاجزاً نفسياً عند المخالفين يمنعهم من الاطلاع على فكر المذهب الحق وتدبر ادلته وقبوله، وهو الأمر الذي يخدم الحركة الوهابية المعادية لانتشار التشيّع في مختلف قارات العالم  - وفق ما يسمونه بالمد الشيعي - ويحقق اهدافها.

 

تناقض المغالين بين الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام جميعاً)

ويضيف السيد المدرسي: (ما الذي تفعلونه بالتشيُّع؟ وأين تريدون أن تأخذوا بالمذهب الطاهر لأهل البيت؟ وهل التشيُّع سوى التفسير الأصلي الأصيل للإسلام؟ أليس الإسلام هو الرسالة الخاتمة والحلقة الأخيرة من سلسلة حلقات الرسائل السماوية الممتدّة، التي تتّفق جميعها على مبدأ التوحيد وحُسْن الخلق؟ ثمّ ألا يمثِّل الأنبياء وأوصياؤهم الطريق إلى الله؟ إذن ما الذي جعل الأنبياء في قاموسكم يمثِّلون الطريق الى الله، بينما أصبح الأولياء يمثِّلون الذاتيّة، بحيث نسبتم لهم الخالقيّة والرازقيّة والقدرة على التصرُّف الفعلي في عالم الكون، إلى درجة أنكم أَوْلَيْتُم هذه العقيدة كلّ الأهمِّية، وجعلتم منها محور الدين، وأَوْلى أوْلويّاته، واعتبرتم كلّ ما سواها أموراً هامشية فرعية ثانوية؟!).

وبالاضافة الى ما تفضل به في هذا النص نجد بعض الخطباء يلجأون للطعن في بعض الأنبياء (عليهم السلام) حين مقارنة بعض مواقفهم مع مواقف أخرى يعتبرونها مماثلة في حياة آل البيت الأطهار (عليهم السلام)، فقط لكي يبينوا للمتلقي أو المستمع أنَّ منزلة آل البيت الأطهار (عليهم السلام) اعلى من منزلة الأنبياء (عليهم السلام) وكأنما هذا الأمر لا يمكن تبيينه الا بهذا الاسلوب المتهافت والمرفوض دينياً وعقائدياُ وأخلاقياً متناسين أنَّ الانبياء (عليهم السلام) معصومون ويؤدون بما بذلوه من جهاد وجهود وتضحيات رسالة رب العالمين الى البشرية في مناطق معينة وفي فترات زمنية محدودة، في مقابل عالمية رسالة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) وخاتميتها والتي كان الأمناء عليها من بعده الأوصياء الطاهرون المعصومون الأثني عشر (صلوات الله عليهم).

 

تفرّد الغلو بالساحة الثقافية!

ويستمر السيد المدرسي متحدثاً عن تقاعس تصدي النخب الثقافية لظاهرة الغلو فيقول: (واليوم، في ظلّ سكوت النخب الثقافية المسؤولة عن تقويم المجتمع وإرشاده نحو الصواب، وسكوت كبار المسؤولين عن التصدّي لهذا النمط من القضايا، والوقوف بوجه التطرُّف، يبدو أن المجتمع الشيعي قد أصحر فريداً، وأضحى أحادي الاتجاه، فما من صوتٍ يسمع سوى صوت جمهور ذلك التيّار المتطرِّف).

وفي الحقيقة فالنخب الثقافية ليست متوحدة في توجهاتها بل هي متشظية بتشظي الأهواء والآراء الموجودة في الساحة الدينية مبتعدين من حيث لا يعلمون عن تعاليم آل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم) التي نقلها إلينا جيلاً بعد آخر، ومن يد الى يد، علماؤنا الأبرار. فكما أنَّ هناك رجال دين مالوا نحو التصوف وآخرين نحو الغلو، فالنخب الثقافية أيضاً سلك بعضها هذا المسلك إقتداء بهم ولأنهم احسنوا الظن ببعض رجال الدين الذين يروجون لأفكار التصوف وتراث ابن عربي، وتعاليم ملا صدرا والشيخ الإحسائي وتلاميذهما، في الاوساط الشيعية الدينية والثقافية والاجتماعية. أما اذا كان المقصود بأنَّ عنوان (النخب الثقافية) أنَّها التي حصراً تعرف الحق والعقيدة الصحيحة وتتبع العلماء الأبرار، فنعم بعضها قد تكون مصابة بنوع من التقاعس والغفلة! ولكن قد تُعطى بعض العذر إذا علمنا أنَّ صوت الجانب المغالي عالي ووسائل الاعلام لديه عديدة وواسعة الانتشار، ولأسباب عديدة، ويدعمهم بعض الخطباء الكهنوتيين السالكين نفس طريق الغلو ويحسبون انهم يحسنون صنعا! كما انَّ الحالة الإجتماعية والسياسية للبلاد التي تعيش فيها تلك النخب أيضاً قد تحتم عليها بعض التقاعس لما تواجهه من صعوبات وبدرجات متفاوتة، فضلاً عن اهمية التقية في البلاد التي يحكمها الظالمون. ومع ذلك فالعديد من النخب الثقافية ثارت رافضة الواقع المزري الذي يُشيّده اولئك المغالون والمتصوفة العرفانيون[90]، ولذلك تجد أنَّ العديد من الاصوات قد ارتفعت هنا وهناك بما تتمكن منه لتبين حقائق العقيدة الاسلامية الناصعة للناس. والنخب الثقافية هي أيضاً يمكن في طريقها للتصحيح أن تخطيء فتقع في بعض المحظورات والمحذورات من حيث لا تعلم. ولذلك يجب ان يكون العالِمُ البارُّ هو المرجع الأخير لتلك النخب الثقافية في مسيرتها ونشاطها لرفض ومجابهة الغلو والعرفان الصوفي وغزو تراث ابن عربي، لكي تكون المرجعية الصالحة هي القيّمة على مسيرات ونشاطات النخبة الثقافية كضمان لعدم انحرافها!

 

التصدي للغلو أولى الأولويات

وقال السيد المدرسي: (وكمسلمٍ شيعي، أعتقد وأؤمن أنّ سيطرة هذا الاتجاه على مذهب أهل البيت يُعَدّ تهديداً خطيراً، وأقول، دون أيِّ محاباةٍ أو وَجَلٍ: إنّ التصدّي لذلك الاتجاه وتقويضه علمياً لا بُدَّ أن يكون أَوْلى أَوْلَويّات المذهب، وأبرز تحدّياته التي يواجهها على الصعيد العالمي اليوم. إن تفرُّد هذا الاتجاه بالمسرح العقيدي للطائفة، دون رادعٍ أو منازع، وضمّ طبقة من العوامّ والسذَّج والفوضويين ومثيري النزاعات والمشاكل إلى جمهوره، وزجِّهم تحت عباءته، وإعطائهم الضوء الأخضر للتطاول على المقدَّسات، كلَّف المذهب خسائر جمّة لم تتوقَّف إلى اليوم).

نعم، ونتفق مع السيد المدرسي في كل كلمة في هذا النص، ولعل من أبرز الخسائر التي لحقت بالمذهب الحق نتيجة الصاق به الأفكار المغالية والصوفية الغنوصية العرفانية هو ان تلك الافكار اصبحت سلاحاً بيد اعداء المذهب الحق لتشويه صورته ولمحاولة الوقوف بوجه ما اطلقوا عليه "المد الشيعي" الذي انتشر في مختلف قارات العالم اليوم بعد تطور وسائل التواصل الإجتماعي وإنتشار كتب الشيعة وفكرهم في كل مكان وزيادة عدد المستبصرين الى الحق ورفض الباطل الأموي، ورافق ذلك انتصار الثورة الاسلامية في ايران وانتصارات حزب الله في لبنان وهي الانتصارات الوحيدة التي أحرزها العرب والمسلمون ضد الكيان الصهيوني، مما سلط الضوء على مذهب الشيعة الإمامية في مختلف انحاء العالم ودفع الناس للتساؤل عنه والاطلاع عليه والتوصل للحقائق التي ينادي بها.


أسلوب "العقيدة الإخبارية"

ثم يتطرق السيد المدرسي الى نقطة مهمة فيقول: (إنّ من أهمّ الخسائر التي يمكن أن نشير لها بوضوح هو النموّ التدريجي ـ والعلني ـ للتيار الأخباري، واستحواذه على الفكر الشيعي. وهذا لا يعني أنّنا غادرنا أصول الفقه، وأهملناه. كلاّ، فنحن نمضي أعواماً طويلة في تدارسه والبحث فيه، لكنّ الخلل يكمن في أنّنا أخذنا إرثنا العلمي بكلّ أبعاده وجوانبه وألقينا به في مستنقع الفكر الأخباري، وقيَّدنا منظومتنا الفكرية الرائدة والغنيّة بشباك الدور والتسلسل، من خلال الجمود والتقوقع على الحَدَث التاريخي، الذي طَوَتْه العصور الغابرة).

فهو يكشف عن أنَّ هذا التيار المتطرف المغالي بدأ يكوّن عقيدته وفق المسلك الأخباري بالتمسك بأي رواية بالرغم من انَّه في الفقه يكون ذا منهج أصولي!! وغلبة المسلك الإخباري وطغيانه على عقيدة بعض الشيعة في القرون المتأخرة ادّى الى ظهور افكار مغالية، ولذلك لا بد من إبطال المسلك الإخباري في العقيدة ومنعه من الإستيلاء على عقيدة الشيعة الإمامية المنتمية الى مدرسة آل البيت الأطهار (عليهم السلام).

والذي نقصده بالتحديد بسيطرة المسلك الاخباري على عقيدة الشيعة في العقود المتأخرة هو تمسك بعض رجال الدين بأي رواية فيها ما يظنونه فضيلة أو ميزة لآل البيت المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم) حتى وإن كانت ملامسة لحد الغلو أو متجاوزة اياه! فيعتبرون تلك الروايات بغض النظر عن سندها وبغض النظر عن مصدرها الذي يكون غالباً من كتب الوجادة وبعض الكتب مجهولة المصدر، مصدراً يؤسسون عليها عقيدتهم ويفرضونها في دينهم!!

ومن نماذج سيطرة المسلك الإخباري على العقيدة والمصاحب للمنهج الأصولي في الفقه، ما علّق به الشيخ الوحيد الخراساني وهو من كبار المراجع الحاليين، حول رواية لا أصل لها في كتب الشيعة تنسب للإمام الحسن العسكري (صلوات الله عليه) انَّه قال: (نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة عليها السلام حجّة الله علينا)، حيث يذكر الشيخ حيدر حب الله ما نصّه: (ما نُقل عن أستاذنا الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى، من أنّه يذهب إلى تعلّق قلوب أهل البيت بفاطمة سلام الله عليها، وأنّ الحجيّة هنا ناتجة عن اتصال روحي غيبي دائم بها من قبلهم عليهم السلام. وهذا التفسير معقول ومنسجم مع نفسه، غير أنّه يحتاج إلى دليل ومزيد دراسة، بحيث يثبت لنا الاتصال الروحي الدائم بوصفه ظاهرة وجوديّة قائمة فعلاً وتُحقّق مفهوم الحجيّة. وأنّ كلمة (الحجّة) يفهم منها ـ لغةً وعرفاً ـ هذا المعنى)!! وسنقرأ بعد قليل أنَّ مصدر هذه الرواية الوحيد هو كتاب (أطيب البيان في تفسير القرآن)، وهو تفسير باللغة الفارسية، للسيد عبد الحسين طيب (1312ــ 1411)هـ! أنظر كيف أنَّ رواية لا أصل لها في كتب الروايات الشيعية المعتبرة ولا غير المعتبرة يتم الإهتمام بها وفق فهم ومنهج إخباري وتعطى شرحاً وفهماً عقائدياً من قبل مرجع كبير هو بالأصل ذو منهج أصولي في الفقه!!

 

التمسك بمنهج أساطين العلم علمائنا الأبرار

ويقول السيد المدرسي: (ولا يخفى أن لهذه الأزمة جذوراً فكرية ومنهجية عميقة. لكنْ بالإجمال نقول: إنّ من أبرز أسبابها مخالفة هؤلاء العوامّ لمنهج أساطين العلم، وكبار المذهب، المبنيّ على الاحتياط الشديد، والتروّي، والفطنة، في أخذ الخبر أو ردّه، وإفراطهم، وتسامحهم الأعمى، وإصرارهم في الاعتماد على كلّ نصٍّ عربي؛ فقط لأجل أنه عربيّ[91]، حتّى لو كان مجهولاً سنداً وزمناً واعتباراً (وكأنّ عربية النصّ تنزِّله منزلة القرآن في رأي هؤلاء)، ليكون أفضل ما يعتمدونه في أحسن الأحوال هو خبر الآحاد).

وهنا يضع السيد المدرسي اصبعه على الجرح، فالعوام لو اتّبعوا العلماء وأخذوا بكلامهم لما ظهرت هناك أفكار وتفسيرات باطنية مغالية! ولما تمكّن تيار رجال الدين من استغلال العاطفة عند عموم الناس ويجعلهم يتقبلون أي فكرة مغالية إذا سمعوها من خطيب على المنبر وهم يظنّون أنَّ كلامه كله حق، بل لرجعوا حينئذٍ الى العلماء ليسألوهم رأيهم ولينبذوا كلام الخطيب اذا قال لهم العالم أنَّ فيه رائحة الغلو! وهنا نجد أنفسنا ملزمين بالتنبيه على التقسيم الذي اشرنا اليه والتمييز بين العلماء وبين رجال الدين المتزيين بالزي العلمائي، ويتعاملون مع القضايا العقائدية بمنهج أدنى من كونه منهجاً إخبارياً، فيتمسكون بكل كتاب من كتب الوجادة، لمجرد ورود فضائل آل البيت الأطهار (عليهم السلام) فيه دون تحقيق ولا إعتبار لصحة نسبته لمؤلفه وصحة ما يرويه.

ونؤكد للقارىْ والمتلقي أن جميع الذين تولوا منصب المرجع العام للشيعة في القرون المتأخرة هم من العلماء الأبرار[92] وامتداد لمن سبقهم من العلماء الأبرار منذ عصر الغيبة الصغرى والى اليوم. فتمسكوا بكلامهم وكلام اتباعهم من العلماء والأفاضل والنخب المثقفة وأرجعوا اليهم، وانبذوا كل من يخالف كلامهم من رجال الدين المتزيّن بالزي العلمائي!!

فرجال الدين المشار إليهم تعاملوا مع العقائد بعقلية الخطباء الذين تقودهم العاطفة بعيداً عن الأدلة الشرعية! فأنتجوا منهجاً للتعامل مع أهل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم) يصورهم في حالات أعلى من المرتبة البشرية التي كانوا عليها وأعلى من مرتبة الإمامة والعصمة التي تمثلهم في حقيقة أمرهم، فتمسك رجال الدين بروايات لا أصل لها في تراث الشيعة الامامية ولا في تراث غيرهم، كما تمسكوا بروايات كتب الوجادة التي لا يُعرف حقيقة صدورها! وجعلوا منها عماد عقيدتهم وعماد مقامات آل البيت (عليهم السلام)، مهما حوت على أفكار وأشارات غلو. وفي المقابل نجد أنَّ كتب علماء الشيعة الأبرار في القرون العشرة الأولى الخاصة بالعقيدة خالية من أي شبهات غلو.

ونذكر نموذجاً مما تحدث عنه السيد المدرسي من تمسك بعض رجال الدين ببعض النصوص مجهولة المصدر!! فعلى سبيل المثال نجد أن كتاب (أطيب البيان في تفسير القرآن)، وهو تفسير باللغة الفارسية، للسيد عبد الحسين طيب (المولد سنة 1312هــ الموافق 1893م، والمتوفى سنة 1411هـ الموافق1990م)، يقول في ج 13 ص 225: (حديث شريف منسوب بحضرت عسكرى است كه فرمود: (نحن حجج اللَّه على خلقه وجدتنا فاطمة حجة اللَّه علينا). دون أن يذكر مصدراً لهذا النص! ثم من عنده شاع وانتشر واصبح من الحقائق الدينية التي ينبري كبار العلماء لشرحها والذهاب الى أنَّ معناها متواتر!! فهذا نص بالفارسية شاع واشتهر وتلاقفوه بالاستحسان والشرح.

وبمناسبة ذكر هذه الرواية في مصدر فارسي، ننقل النص التالي من موقع الكتروني يدافع عن ايراد السيد عبد الحسين الطيب لهذه الرواية بدون مصدر في تفسيره، يقول: (مصدر الرواية الشريفة هو تفسير (أطيب البيان في تفسير القرآن) للعلامة السيد عبد الحسين الطيب المولود عام 1312هــ الموافق 1893م وتوفي عام 1411هـ الموافق 1990م. وهو من أعلام هذه الطائفة وكان من تلامذة أبي الحسن الأصفهاني وضياء الدين العراقي والنائيني وعبد الكريم الحائري، وهو من علماء إيران، وبما أن الرجل جليل القدر فنحن نطمئن إلى أنه نقله من مصدر لم نطلع عليه!! وكم هناك في إيران من مخطوطات لم تطبع إلى الآن، فيظهر أن العلامة السيد الطيب قد أخذها من أحد المخطوطات القديمة المهجورة في مكتبات إيران، وهذا الحديث تناقله الكثير من الأعلام في كتبهم ومحاضراتهم وخطبهم ومدارستهم لتلاميذهم، وله شواهد كثيرة من الكتاب والسنَّة المطهرة تشهد بصحته، فضلاً عن موافقته للأخبار الكثيرة الدالة على علو فضل سيدة النساء عليها السلام ونحن نحيلكم إلى كتاب (الكوثر في أحوال فاطمة بنت النبي الأطهر) للعلامة السيد محمد الموسوي حفظه المولى، ففيه الروايات الجامعة لفضل سيدة النساء على عامة خلق الله تعالى عدا أبيها وبعلها صلوات الله عليها..فما الضير في ذلك..؟! حتى ولو لم يكن للخبر سند فيكفي فيه موافقته للأخبار الأخرى وهو ما اصطلح عليه بالخبر الموثوق الصدور الذي دلت القرائن المنفصلة على صحته)[93]!!! وعبارته الأخيرة هي الطامّة الكبرى حيث تعني أنَّ أي شخص يمكن ان يأتي بنص وينسبه للأئمة الأطهار (عليهم السلام) ثم يقال عنه انَّه نص مقبول لأن معناه موجود في روايات اخرى!! ضاربين بجهود علماء الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً في علم الرجال وتصحيح الاحاديث واعتبارها والحفاظ على تراث آل البيت الأطهار (عليهم السلام) طيلة اربعة عشر قرناً عرض الحائط!

يقول الشيخ حيدر حب الله: (بحثت عن هذا الحديث، وليس له وجود حسب الظاهر إلا في كتاب (أطيب البيان في تفسير القرآن 13: 226)، وهو للسيد عبد الحسين الإصفهاني، المعروف بطيّب، والمتوفى عام 1412هـ، أي قبل حوالي العشرين عاماً فقط، وليس لهذا الحديث وجود أساساً في أيّ مصدر حديثي أو تاريخي شيعي أو سنّي على الإطلاق فيما رأيت، ولا أدري من أيّ مصدر عثر عليه السيد الإصفهاني رحمه الله، وحتى الذين وظّفوا هذا الحديث وذكروه في كتبهم لم أجد أحداً نسبه لغير السيد الإصفهاني هذا، فالحديث مجهول المصدر تماماً، ولا مصدر ولا سند له على الإطلاق، فمن غير الواضح ما ذكره بعض المعاصرين حفظه الله (الإمامة الإلهيّة 1: 259) من كونه متواتراً بحسب المعنى، نعم الجملة الأولى منه يمكن ادّعاء ذلك فيها، وهي قوله: (نحن حجج الله على خلقه)؛ لتردّد مضمونها في نصوص كثيرة وبألسنة مختلفة)[94].

فابحث في المصادر الشيعية عن الذين شرحوا هذه الرواية مجهولة المصدر وتعجَّب مما يقولونه في الاستنباط منها بدون دليل!!

ومن هنا تتضح اهمية التمسك بمنهج علمائنا الأبرار في العقيدة والحفاظ على تراث آل البيت الأطهار (عليهم السلام)، نذكر منهم:

بنو نوبخت - محمد بن يعقوب الكليني - ابن بطة القمي - عثمان بن سعيد العمري - محمد بن عثمان بن سعيد العمري - الحسين بن روح النوبختي - علي بن محمد السمري - ابن أبي عقيل العماني - ابن الوليد - أبو غالب الزراري - ابن قولويه - ابن داود القمي - الشيخ الصدوق - ابن الجنيد الإسكافي - ابن الرازي - ابن قبة - الحسين الغضائري - الشيخ المفيد - السيد المرتضى علم الهدى - أبو الصلاح الحلبي - شيخ الطائفة ابو جعفر الطوسي - سلار الديلمي - ابن البراج - أبو علي الحسن بن محمد الطوسي - عبد الجليل الرازي - قطب الدين الراوندي - ابن زهرة - ابن ادريس الحلي - ابن نما - السيد ابن طاووس - المحقق الحلي - الإربلي - العلامة الحلي - قطب الدين الرازي - فخر المحققين محمد بن الحسن الحلي - الشهيد الاول محمد بن مكي العاملي الجزيني - ابن فهد الحلي - الحسين بن عبد الصمد الحارثي -  المحقق الكركي - الشهيد الثاني زين الدين العاملي - المقدس الاردبيلي - جمال الدين بن زين الدين العاملي صاحب المعالم - الشيخ الوحيد البهبهاني - الشيخ فخر الدين الطريحي -العلامة محمد باقر المجلسي - السيد محمد مهدي بحر العلوم - الشيخ جعفر بن خضر الجناحي صاحب كشف الغطاء - الشيخ موسى بن جعفر كاشف الغطاء - الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر - الشيخ مرتضى الانصاري – السيد الميرزا محمد حسن المجدد الشيرازي - السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب العروة الوثقى - الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي - السيد ابو الحسن الاصفهاني - الشيخ عبد الكريم الحائري - السيد حسين البروجردي - السيد محسن الامين العاملي - الشيخ محمد الخالصي - السيد محسن الحكيم - السيد ابو القاسم الخوئي - السيد يوسف الحكيم - السيد عبد الهادي الشيرازي - السيد محمد كاظم شريعتمداري - السيد محمد باقر الصدر - السيد محمد رضا الگلبایگاني- الشيخ محمد علي الأراكي - السيد محمد سعيد الحكيم - الشيخ إسحاق الفياض -السيد علي السيستاني. رضوان الله عليهم اجمعين.

 

المستقبل وأهمية تجديد الخطاب الديني

ثم يبيّن السيد المدرسي نقطة مهمة حول انتشار التشيّع حيث يقول: (ثمّ من الأمور السلبية الأخرى، الناتجة عن ضيق أفق وسطحية وتخلُّف وجمود وتقوقع هؤلاء، الركود المزمن الذي مُني به المذهب، وجعله محبوساً في نقاط جغرافية محدَّدة، عاجزاً عن الانتشار والتوسُّع. لماذا يا ترى ينتهى المطاف بهذا المذهب، الذي كان إلى ما قبل قرنين من الزمن يشهد قفزات نوعيّة على صعيد الدعوة والتبليغ في العراق وشبه القارة الهندية، أن يصبح اليوم، في ظلّ التقدُّم الهائل لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، عاجزاً عن إعادة تجربته الرائدة، وقاصراً عن إدراك الباحثين عن الحقيقة واستقطابهم؟! بل حتّى في إيران اليوم تشير إحصائيات النموّ السكاني، والتقارير الواصلة، والتي تعكس حجم الاستثمارات والخطط الاستراتيجية التي تستهدف تغيير الواقع الديموغرافي، عبر امتلاك الأراضي، وتهجير السكّان الأصليين من بعض المناطق، تشير إلى أن هناك خطراً يهدِّد مستقبل التشيُّع في ذلك البلد)!

ثم ينبري ليتحدث اكثر عن المشكلة فيقول: (إذن عندما نعجز عن تقديم أيّ خطاب تجديدي، ونحاول تكميم أيّ فيهٍ يريد أن ينطق بما عنده، وعندما تمرّ الأعوام تلو الأعوام وليس هناك أيّ جديد على صعيد المعرفة، أو على صعيد الفكر الشيعي، وفي الوقت ذاته تصدر مئات الكتب في المعجزات والكرامات والمصائب والمراثي، بمضامين مكرَّرة، تفتقر لأيّ إبداعٍ أو ابتكار أو دقائق أو لطائف فكرية، وعندما نعجز عن التصدّي لـ «الشبهات»، وتقديم الحلول المنطقية لأبسط الأسئلة التي لا يُعَدُّ طرحها والإجابة عنها حقّاً لكلّ مكلَّفٍ فحَسْب، وإنما هي مسؤولية تقع على عاتقه، وعندما نعتمد سياقاً معرفياً مستقى من ثنايا الأخبار التي تضجّ بها المصادر الضعيفة أو المجهولة، أو مسبوكاً بنسج العوام وأساطيرهم، ولا يساوي قرشاً في ميزان المعرفة… حينئذٍ هل توقّفنا لحظةً لنتساءل: لماذا أصبحنا نراوح أماكننا؟ وأين موضع الخلل؟ بعد كلّ ذلك يا ترى هل سنأمل أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً أفواجاً؟! والملفت أننا قد نبدو سعداء حين نسمع بين الحين والآخر أن أحدهم تشرَّف باعتناق المذهب الشيعي، لكنْ يا ترى هل نعي كم هو عدد الأشخاص من أبناء المذهب الشيعي، وفي عاصمة التشيُّع، الذين ساقهم تفسيرنا المغلوط للدين إلى الانحراف عن الصراط الحقّ في ذات الفترة؟).

نعم هناك من الأجيال الجديدة الكثير ممن جذبتهم بهرجة الحداثة في مقابل ما يرونه من شبهات دينية تحيط بهم هي من صنع المتصوفة العرفانيين والغلاة والجهل والعاطفة الجياشة لبعض رجال الدين الذين لا تقدمون مصلحة الاسلام على المشاعر الشخصية فسلكوا سبيل تشويه الاسلام، ((وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا))[95]!

والذي تحدث عنه السيد المدرسي في هذه الفقرة قد يجيب لماذا مجتمعاتنا الاسلامية ترزخ في الفقر والجهل والمشاكل الاجتماعية العديدة رغم انها تملك مقومات دينية تؤهلها للعيش بسعادة ومعالجة جميع ما قد يصادفها من مشاكل إجتماعية ومعاشية! ولماذا تنتشر الافكار العلمانية والحداثوية المتهافتة بين الاجيال الجديدة وتجد لها مواطىء قدم في مجتمعاتنا الاسلامية!

 

التحذير من "التشيّع الحيدرآبادي"

وقال السيد المدرسي: (إذن، لو استمرّ الحال على ما هو عليه، ولم يبادر أحد الكبار، أو أحد الشخصيات العلمية المعتبرة، أو أحد الرموز الفكرية أو المعنوية، ويأخذ على عاتقه التصدّي لهذا التيار المدمِّر والمتطرِّف والمتخلِّف، فمن المحتمل جدّاً أن نشهد تدريجياً استشراء ظاهرة التشيُّع الحيدرآبادي (وهو أكبر مركز للشيعة في الهند يضمّ أكثرية شيعية تتبنّى تفسيراً مغلوطاً لبعض الأخبار، كقوله: «حبّ عليٍّ حسنة لا تضرّ معها سيئة»، حيث أباحوا فعل المنكرات، وأهملوا المناسك والعبادات، كالصلاة وغيرها، بشكلٍ عَلَني، متفاخرين بذلك، حيث قرنوا بين المتمسِّك بالولاية وبين تارك الصلاة)، وبالتالي اضمحلال أهمّ الأركان العبادية التي نصَّتْ عليها الشريعة الإسلامية، والتي تشكِّل حدّاً فاصلاً بين الإيمان والكفر، والتي تعتبر شعار المسلمين وعنوانهم ورمز وحدتهم، وانضواءها تحت هيمنة بعض الطقوس والشعائر، التي باتت تعرف اليوم بـ «الولاية»، أو «الإخلاص للصدِّيقة الطاهرة أو سيد الشهداء أو وليّ الأمر (سلام الله عليهم أجميعن)»، ومحاولة تكريسها، لتستحيل شيئاً فشيئاً إلى أهمّ شعيرةٍ من شعائر المذهب، وأبرز دعامة من دعاماته، إلى درجة أن الناظر من خارج دائرة الإسلام إلى هذه الشعائر والطقوس قد يجد في المستقبل صعوبةً بالغة في العثور على عاملٍ مشترك بين هذا المجتمع وبين المجتمع الإسلامي الأكبر).

وما اطلق عليه "التشيّع الحيدرآبادي" أخذت مفاهيمه في العقود المتأخرة تنتقل الى مناطق شيعية أخرى بسبب بعض الخطباء الجهلة الذين يغرون عامة الشيعة بأنهم من أهل الجنة لمجرد ادائهم بعض الشعائر والطقوس بدون شرط العقيدة السليمة وأداء الواجبات العبادية! وساعد على إنتشار هذه الأفكار تطور وسائل الإعلام والفضائيات والأنترنيت ووسائل التواصل الإجتماعي.

ودائماً كان هناك من أعاظم المراجع وكبار العلماء الأبرار من وقف بوجه الغلو والتصوف والخلطة العرفانية الثلاثية (التصوف والفلسفة والشريعة) التي ابتدعها ملا صدرا[96]، وتعاليم الشيخ أحمد الاحسائي وتلاميذه واتباعه، وكذلك امام المسلك الإخباري في العقيدة! ووقفوا كذلك بالضد من هذه الأفكار التي هي أقرب الى فكر المرجئة الذين اعتقدوا بانَّ الانسان يدخل الجنة بإيمانه لا بأعماله!

والملاحظ أنه وعبر القرون والعصور في زمن الغيبة الكبرى لم يتبوأ احد من كبار العلماء منصب المرجع العام للشيعة بتوفيق من الله تبارك وتعالى إلا وهو من أهل الإيمان الحقيقي المحافظ على التراث النقي لأهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، ولم يكن منهم احد من أتباع ملا صدرا ولا الشيخ الاحسائي ولا من المائلين الى الغلو. وإضافة الى ذلك نجد ان مراجعنا الكرام كانوا يتصدون لهذه المسائل المشتبهة على عامة الشيعة ويبينون لهم الحق من الباطل. فعلى سبيل المثال نجد ذلك في إجابات السيد أبو القاسم الخوئي (رضوان الله عليه) والسيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) على الأستفتاءات التي تقدم لهم بخصوص هذه القضايا. كما أن المرجع الشيخ إسحاق الفياض (دامت بركاته) قد تصدى لأكثر من مرة في درسه لفكر ملا صدرا ويدعوا للامتناع عن تدريس تراث ابن عربي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف! وغيرها من الشواهد لكبار العلماء ذكرناها في كتابنا (شمس التشيّع وسحابة ملا صدرا).

واما بخصوص الحديث: (حب علي بن أبي طالب حسنة لا يضر معه سيئة، وبغضه سيئة لا ينفع معه حسنة). فقد ورد مسنداً كالاتي:

الأول. بشارة المصطفى لأبن جرير بن رستم الطبري (توفي حوالي نهاية القرن 3هـ). {مسند عن عبد الله بن مسعود}[97].

علته:

1.     العلاء بن عبد الرحمن: اعترف قبل موته بوضع (70) حديثاً في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام).

2.     أحمد بن اسحاق القاضي: مجهول.

3.     يعقوب بن طاهر (ابو عبد الرحمن): مجهول.

4.     عبد الرحمن بن يعقوب: مجهول.

 

الثاني. فردوس الأخبار للشيخ شيرويه الديلمي (متوفى 509هـ). {غير مسند عن معاذ بن جبل}[98].

 

الثالث. الأربعون حديثاً لمنتجب الدين ابن بابويه الرازي (القرن 6هـ). {مسند عن معاذ بن جبل}[99].

علته:

1.     أبو سعد أحمد بن محمد بن حفص الماليني الحافظ: صوفي منكر الحديث.

2.     أحمد بن علي بن أحمد الرفاء: مجهول.

3.     المسيب بن واضح: صدوق يخطيء كثيراً، له مناكير، ضعيف.

4.     بقية بن الوليد: ضعيف، له مناكير، مدلّس.

5.     ثور بن يزيد: ثقة، ناصبي يؤمن بالقدر!

6.     خالد بن معدان: كان صاحب شرطة يزيد (لعنه الله)! ثقة مدلّس!!

 

الرابع. المناقب للخوارزمي– القرن 6هـ. {مسند عن أنس بن مالك}[100].

علته:

1.     عمرو بن حمزة القيسي: لا يتابع، مجهول، ضعيف.

2.     خلف بن مهران أبو الربيع: ثقة مدلس لا يتابع في حديثه، يوجد ضعف في ضبطه.

 

الخامس. كتابَي الفضائل[101]والروضة[102]للشيخ شاذان بن جبرئيل القمي (متوفى 660هـ). {غير مسند عن عبد الله بن عباس}.

ونظراً لكون طرقه ضعيفة فضلاً عن مخالفته لآيات الكتاب العزيز. ولذلك حاول بعض العلماء فهمه بطريقة لا تتعارض مع المبادىء الاسلامية التي وردت في القرآن الكريم والسُنّة المطهرة التي علمنا إياها آل البيت الأطهار (عليهم السلام). وقد بيّنا تفاصيل هذا الموضوع ومصادره وأسانيده في رسالتنا الموسومة (البيّنة في حديث حب علي حسنة لا تضر معه سيئة).

واعتراف العلاء بن عبد الرحمن بوضع (70) حديثاً في فضائل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وكذلك رواية هذا الحديث عن رواة جلّهم من المخالفين وفيهم ناصبي! هو مصداق لما روي عن الامام الرضا (صلوات الله عليه) مما جاء فيها: (إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا. فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسماءنا، وقد قال الله عز وجل: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدواً بِغَيرِ عِلمٍ}. يا ابن أبي محمود، إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا، فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه، إن أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة هذه نواة، ثم يدين بذلك ويبرء ممن خالفه، يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك خير الدنيا والآخرة)[103].

تأويلات لمعنى هذا الحديث: وهناك نص نسبه بعضهم الى الشيخ المفيد في كتابه الارشاد، وهو غير موجود حالياً فيه! يقول الشيخ الماحوزي (1075 – 1121)هـ في كتابه (الاربعون حديثاً): (ومن تلك الأجوبة ما ذكره شيخنا أبو عبد الله المفيد قدس الله روحه في ارشاده : أن الله تعالى آلا على نفسه أن لا يطعم النار لحم رجل أحب عليا (عليه السلام) وان ارتكب الذنوب الموبقات وأراد الله أن يعذبه عليها، كان ذلك في البرزخ وهو القبر ومدته، حتى إذا ورد القيامة وردها وهو سالم من عذاب الله ، فصارت ذنوبه لا تضره ضررا يدخله النار، قال: وبهذا جاء الأثر عن أحد آل محمد ( عليهم السلام))[104]، والسيد مهدي رجائي محقق الكتاب قال في هامش نفس الصفحة : (لم أعثر عليها في الارشاد)، وكذلك نحن لم نعثر على هذا النص في كتاب الارشاد المطبوع!

عموماً هناك عدة تأويلات وتفسيرات لمعنى هذا الحديث وابعاده، من قبل الأطراف المحافظة البعيدة عن الغلو واتجاهاته، ذكرناها في رسالة (البيّنة) المشار اليها آنفاً، ليس هنا مجال لإعادة ذكرها هنا.

 

ضرورة إحياء الفكر الشيعي الأصيل

وأضاف السيد المدرسي محذّراً: (وما لم يتمّ إيقاف حريق الجهل والتخلُّف هذا فلا نستبعد أن تتحوَّل المنطقة، التي كانت يوماً ما تشهد تجسيداً لصورةٍ طاهرة نقيّة عقلانية رفيعة، مثَّلَتْ مفهوم أهل البيت عن الإسلام، أن تتحوَّل هذه البقعة إلى شبه جزيرة هندية، ينتشر في أرجائها مئاتٌ من مدَّعي النبوّة أو الألوهية، ولكلٍّ منهم أشياع وأتباع تجري خلفه. وحينما كان التشيُّع قبل عشرين عاماً يعيش تحدّي الانتشار في الخارج من جهة، وتفشّي مظاهر التطرّف والجهل والتسطيح والسعي لحبس المذهب في الداخل من جهةٍ أخرى (وغالباً ما كان يتمّ بواسطة أطراف لم تكن تجد في نفسها القدرة على مواجهة التحدِّيات، أو أطراف كانت تلهث وراء الشهرة وكسب الجماهير، أو أطراف كانت تنوي الانتقام من الثورة؛ لأسباب شخصية ودواعٍ نفسية، فساهمت جميعها في تكريس الجهل والتطرُّف والتسطيح العلمي، على حساب المصلحة العليا للإسلام والتشيّع)، لطالما وقفتُ وتأمَّلْتُ مع نفسي، فلربما يمكن الوقوف بوجه الإعصار من خلال إحياء الفكر الثقليني، وبالتالي العودة إلى شيءٍ من الاعتدال والعقلانية، التي كانت تسود أجواء مدرسة قم في عهد السيد البروجردي).

نعم السيد حسين البروجردي (رضوان الله عليه) (1292- 1380)هـ، وهو المرجع العام للشيعة الامامية في عصره كان يقف بالضد من التشيّع الصوفي أي منهج ملا صدرا وتراث ابن عربي[105]. قال الشيخ علي ملكي الميانجي: (وقد سمعت آية الله السيد موسى الشبيري الزنجاني المعاصر يقول: لقد كان آية الله البروجردي على وشك تحريم العلوم العقلية إلى جانب السيد محمد رضا سعيدي ــ آية الله الشهيد سعيدي ــ وكان هو أيضاً مخالفاً للفلسفة، إلاّ أنّ تدخل البهبهاني وغيره من العلماء منع من حصول ذلك. أما مخالفة البروجردي لتدريس الفلسفة في حوزة قم فهو أمرٌ مفروغ منه؛ فقد أبدى رفضه لها سواء بالتصريح بالنهي عن ذلك أو عن طريق إظهار عدم ارتياحه لممارسة ذلك العمل في حوزات قم)[106].

وقال السيد محمد الشيرازي في كتابه (قم المقدسة رائدة الحضارة): (استطاع السيد البروجردي ايّام مرجعيته تقوية الاعتماد على القرآن والحديث، وتضعيف الحكمة والفلسفة، وحذفها من مناهج الحوزة العلمية)[107].

 

التصدي للغلو

ويبث السيد المدرسي شجونه بقوله: (وانطلاقاً من هذه الفكرة قضَيْتُ عامين كاملين في تتبُّع المصادر، واستقصاء الموادّ؛ للخروج بكتابٍ يحتوي حقيقة التشيُّع بحَسَب ما أراه، لكنّ إصابتي في عيني بداية ربيع هذا العام حالَتْ دون إتمام المشروع. لكنْ وبصراحةٍ أقول: إنّ التجربة أثبتت خطأ هذه الرؤية، فإنّي اليوم لا أجد في الأفق أيَّ أَثَرٍ لما كنتُ أطمح إليه).

وفي الحقيقة هناك العديد من العلماء ممن تصدوا "في زماننا عدد من كبار المراجع والعلماء وفضلاء الحوزة لبيان خطر تدريس عقائد ابن عربي في المدارس الدينية وخطر اتباع مسلكه ومنهجه الصوفي الغنوصي، ابرزهم على اختلاف طبقاتهم العلمية من المعاصرين: الشيخ الوحيد الخراساني، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ إسحاق الفياض، والشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني، والسيد محمد باقر بن السيد محمد صادق الحكيم، والسيد قاسم علي احمدي، والسيد محمد صادق الروحاني، والسيد جعفر سيدان، والسيد محمد الشاهرودي، والشيخ حسن الميلاني، والسيد علي الصدر الحسيني، والشيخ محمد باقر علم الهدي، والسيد محمد باقر السيستاني، والسيد عز الدين الحكيم، والشيخ ماجد الكاظمي، والشيخ حيدر الوكيل، والشيخ محمد علي رضا القمي، والشيخ حسن الكاشاني، والشيخ اسعد الزبيدي، والشيخ حيدر آل حيدر، والسيد احمد الحسيني، والشيخ حميد رمح الحلي، وغيرهم العديد من العلماء والفضلاء وطلاب البحث الخارج في الحوزات الدينية في النجف الاشرف وقم المقدسة ومشهد المشرفة، وغيرها"[108]. كما تصدى العديد للتحذير من الغلو، لعل أبرز من يحضرني اسمه الآن فضيلة الشيخ حسين الخشن صاحب كتاب (الشيعة والغلو).

 

تنمّر التيار المغالي المنحرف

ونجد انفسنا متفقين مع السيد المدرسي بقوله في خاتمة محاضرته: (إن أتباع التيّار المنحرف، الذين استحوذوا اليوم على التشيُّع، فكراً وممارسةً، وأصبح لكلمتهم نفوذٌ، ولسلوكهم صدىً، لا تثنيهم فتوى عالم أو إرشاد مرشد، ليسوا من ذوي الرأي والحوار، استمالوا السُّذَّج من الناس، وتدرَّعوا بهم، كمَّموا أفواه المخالفين بكل الوسائل، فلا يكاد من العلماء أو زعماء الفكر الشيعي من يجد نفسه اليوم قادراً على ردع هذا التيّار أو الوقوف بوجهه. وهذا الواقع قد يقطع لدينا الأمل في حصول تطوُّرٍ ما، أو ظهور نسق فكري شيعي أكثر تألُّقاً وشمولاً، وأقدر على العودة بالواقع الحالي إلى عهد العقلانية والاعتدال، على الأقلّ لا أظنّ حصول ذلك في السنوات التي بقيَتْ من عمري، ولا أتوقَّع حصوله في عهدكم أيضاً).

والله المستعان على ما يصفون، وإنما على كل مؤمن العمل بتكليفه الشرعي سواء كان هناك أمل حقيقي في التغيير نحو الأفضل أو لم يكن في المدى المنظور ذلك. فواجبنا الشرعي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نتذكر دائماً قوله تعالى: ((لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ))[109].

وقال تعالى: ((حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ))[110].

فليس هناك يأس من التغيير وإمكانية التصدي لقوى الغلو الحالية فنحن نؤمن يقيناً بقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[111].

كما نؤمن أنَّ هناك دور تغييري شامل سيقوم به إمامنا المفدى الحجة بن الحسن (صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجَّل فرجه الشريف) يكتسح به المغالين ويقضي على فتنتهم بإظهاره الحق وإزهاقه الباطل، ((إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا))[112]، وهذا لن يمنعنا من القيام بتكليفنا الشرعي بالإصرار على التوعية بحقانية مذهب آل البيت الأطهار (عليهم السلام) وكشف الأباطيل الشيطانية التي تحاول تشويهه وطمس معالمه من خلال فكر الغلاة ومفاهيمهم التي تتلبس بأقنعة عديدة منها : "قولوا فينا ما شئتم"، والتصوّف، و"الكشف والشهود"، و"العرفان"، والمقامات التي تخرج عن إطار {البشرية التي يؤكد عليها القرآن الكريم} كـ "الولاية التكوينية" والخلق والرزق وغيرها!

 

 



الهوامش:

[1] وكذلك الموقع الالكتروني لمجلة (نصوص معاصرة) بتاريخ 30 يونيو 2018م.

[2] ترجمة علي عباس الوردي. {عن هامش المصدر}

[3] من أشهر وأبرز الباحثين في التراث الشيعي وتطوُّراته التاريخيّة، وأحد أبرز الأساتذة الإيرانيّين في الجامعات الأمريكيّة اليوم. له أعمالٌ علميّة تراثيّة تحقيقيّة مشهودة. {عن هامش المصدر}

[4] تجدونه عبر الرابط: https://bit.ly/3kbpvxW

[5] الموقعت الالكتروني لسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف)، عبر الرابط:

https://www.sistani.org/arabic/archive/26341

[6] نميّز في مقالنا هذا بين مصطلح (العلماء) ومصطلح (رجال الدين) لللفرق الواضح بينهما، حيث نقصد بالثاني الاشخاص من ذوي الزي الديني الذين فهموا الدين بسطحية وينتج عنهم لذلك اشكالات تتعلق بالغلو وبعض الانحرافات!

[7] سورة الحجرات، الآية (13).

[8] سورة المجادلة، الآية (11).

[9] وصف درجات أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) بـ (المقامات) هو تعبير شاع استخدامه في كتب الصوفية وهم يصفون شيوخهم واقطابهم، وتسرب الى التشيّع عن طريق متصوفة الشيعة، ولم يرد هذا التعبير في القرآن الكريم ولا في كلام أهل البيت (عليهم السلام). ويمكن استخدام تعبير (مراتب) الذي ورد في رواية واحدة وهي ما روي في الأمالي للشيخ الصدوق – رغم انه من كتب الوجادة كما سنبين لاحقاً – : (قال علي بن الحسين عليهما السلام: «جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه. إن المراتب الرفيعة  لا تُنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه وترك الاقتراح عليه والرضا بما يدبرهم به. إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لما يساوهم فيه غيرهم، فجازاهم الله عز وجل عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم. لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم»).

والأفضل استخدام التعبير القرآني (درجات) للتعبير عن التفاوت، والذي ورد في عدة آيات ننتخب منها:

·    في سورة البقرة الآية (253): ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)).

·    وفي سورة النساء الآية (95): ((فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً)).

·    وقوله تعالى في سورة التوبة الآية (20): ((الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ)).

·    وفي سورة الحديدالآية (10): ((لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)).

·    وفي سورة الانعام الآية (83): ((وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)).

·    وفي سورة الانفال الآية (4): ((أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقاًّ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)).

·    وفي سورة الاسراء الآية (21): ((انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)).

·    وفي صورة طه الآية (75): ((وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى)).

·    وفي سورة المجادلة الآية (11): ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)).

[10] وهم الموصوفون بقوله تعالى: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)).

نقرأ في ميزان الحكمة للشيخ محمد الريشهري، ج٣ ص٢٦٢١:

·    عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) - في قوله تعالى: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم...)): أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه (الدر المنثور).

·    عن الإمام الصادق (عليه السلام) - في قوله تعالى: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)): والله ما صلوا لهم ولا صاموا، ولكنهم أحلوا لهم حراما، وحرموا عليهم حلالا فاتبعوهم (المحاسن).

·    وعنه (عليه السلام) - أيضا -: أما والله، ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراما، وحرموا عليهم حلالا، فعبدوهم من حيث لا يشعرون (المحاسن).

·    وعن الإمام الباقر (عليه السلام) - فيما كتب إلى سعد الخير: اعرف أشباه الأحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. ثم اعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده، فهم مع السادة والكبرة (الكثرة - خ ل)، فإذا تفرقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دنيا، وذلك مبلغهم من العلم... أولئك أشباه الأحبار والرهبان قادة في الهوى، سادة في الردى (الكافي).

[11] إنَّ المشكلة العقائدية هي مع (العرفان النظري) وليس مع ما اصطُلح عليه بـ (العرفان العملي) الذي في حقيقته يمثل تربية النفس وتهذيبها في طريق تقوى الله تبارك وتعالى ومرضاته.

[12] لم يرد الفيض بمعناه الصوفي في القرآن الكريم ولا في روايات الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام).

[13] يعاني المجتمع الشيعي اليوم من مشكلتين فكريتين الأولى دينية والأخرى إجتماعية، وهما الأفكار الدخيلة والعنصرية (المبنية على تفضيل عنصر قومي على آخر أو عداء تجاه عنصر فومي معين! بتأثير المؤامرات التي تجري على الشيعة من قبل خصومهم بقصد تفتيت جمعهم وتضعيف قوتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية).

[14] الذي اشار اليه في عبارته السابق بقوله: (والآخر: اتجاه شعبي جماهيري، ينطلق من العلقة والعاطفة الشديدة) إلخ ...

[15] مقامات آل البيت الأطهار (صلوات الله عليهم) هي التي ورد بها الشرع المبين، نذكر منها: مقام الإمامة، والعصمة، والعلم ، والتقوى، والحلم والشجاعة واستجابة الدعاء، ومعرفة الأسم الأعظم. وغيرها من المقامات التي دلّت عليها النصوص الشريفة. اما هؤلاء المغالين من صوفية الشيعة وغيرهم فأوجدوا لهم مقامات ترفعهم عن الطبيعة البشرية، من قبيل الولاية التكوينية والخلق والرزق، والأتيان بالمعجزات بقدرات ذاتية نفسية، ومعرفة الغيب، وغيرها!

[16] قرأنا في مقدمة البحث كلام المرجع الأعلى سماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) والذي ورد فيه ما يخالف منهج هذا الحديث، وسنعود لنختم به مقالنا هذا، إنْ شاء الله عزَّ وجلَّ.

[17] جاء في اعيان الشيعة: (الشيخ هادي النجم آبادي الطهراني: توفي في طهران. في تتمة أمل الآمل: عالم عامل فقيه متكلم ماهر طويل الباع في كلمات الفقهاء كثير الاطلاع في الحديث زاهد حسن السيرة متواضع يجالس كل أحد ليس له نظير في قلة الاعتناء بالدنيا وأهلها كان المرجع في القضاء في طهران وكان لا يفرق بين الوزير والفقير ولشدة زهده وعدم تعلقه بالرياسة كانت الصوفية وأرباب الفرق الباطلة تنزع إليه وتحب مجالسته وهو لا يأبى ذلك فيجالسهم ويحادثهم ويلقي الشبه في أذهانهم وغمز عليه بعضهم بسوء العقيدة وهو بريء من كل سوء تخرج في الفقه على فقيه عصره الشيخ راضي ابن الشيخ محمد النجفي المشهور رأيته قبل ذهابه إلى طهران ثم جاء للزيارة فرأيته وهو لم يتغير وهو عندي رجل صحيح كامل مجاهد من علماء آل محمد صلى الله عليه وسلم والغمز عليه ليس بصحيح له مصنفات لا يحضرني تفصيلها).

المصدر: اعيان الشيعة / السيد محسن الامين العاملي / دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 235.

وكتب د. علي أكبر عليخاني: وأشهر كتاب للشيخ هادي نجم آبادي هو (تحرير العقلاء)، وهو عبارة عن مجموعة من الملاحظات المتناثرة القاها في دروسه حول المناقشات "اللاهوتية" وأحيانًا "الاجتماعية" باللغتين الفارسية والعربية ، والتي جمعها صهره أغا مرتضى نجم آبادي مع مقدمة بقلم أبو الحسن فروغي عام 1312هـ ، وقد تم طبع ونشر في مطبعة "أرماغان" بطهران. من بين مؤلفات نجم آبادي الأخرى ، يمكن الرجوع إلى أطروحة دحض المذهب البهائي وجداول فئات الميراث.

المصدر: مقال: الفكر السياسي للشيخ هادي نجم ابادي {بالفارسية: انديشه‌ي سياسيِ شيخ هادي نجم‌آبادي} بقلم د. علي أكبر عليخاني، منشور في موقع: (راسخون) باللغة الفارسية، ترجمة آلية مع التنقيح.

[18] الموقع الالكتروني لمجلة نصوص معاصرة، مقال بعنوان : («نزِّلونا عن الربوبيّة…» كتبه: الشيخ جويا جهانبخش فى 14 ايلول/ سبتمبر 2018م، عبر الرابط: https://bit.ly/3KMydOC

[19] نكرر أن المشكلة العقائدية هي مع (العرفان النظري) وليس مع ما اصطُلح عليه بـ (العرفان العملي) الذي في حقيقته يعني تربية النفس وتهذيبها في طريق تقوى الله تبارك وتعالى ومرضاته.

[20] مجالس المؤمنين / القاضي نور الله المرعشي التستري / دار هشام - ج2 ص499.

[21] مجالس المؤمنين / القاضي نور الله التستري / دار هشام - ج3 ص164.

[22] قال السيد الخوئي في معجمه: (قال النجاشي: "فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني، نزل العسكر، قل ما روى الحديث إلا شاذا، له كتاب الرد على الواقفة، وكتاب الحروب، وكتاب التفضيل، وكتاب الرد على الإسماعيلية".

وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الهادي عليه السلام، قائلا: "فارس ابن حاتم القزويني، غال، ملعون".

وقال ابن الغضائري: "فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني: فسد مذهبه، وقتله بعض أصحاب أبي محمد عليهما السلام بالعسكر، لا يلتفت إلى حديثه، وله كتب كلها تخليط".

وتقدم عنه في ترجمة أخيه طاهر، أنه كانت له حال استقامة ولكنها لا تثمر.

وقال الكشي (384): "قال نصر بن الصباح: الحسن بن محمد المعروف بابن بابا، ومحمد بن نصير النميري، وفارس بن حاتم القزويني، لعن هؤلاء الثلاثة علي بن محمد العسكري عليهما السلام".) ... (أن الكلمات قد اتفقت على أن قتل فارس بن حاتم كان بأمر من أبي الحسن العسكري عليه السلام في زمانه، ولكن ظاهر عبارة ابن الغضائري المتقدمة أن القاتل من أصحاب أبي محمد عليه السلام، وهو ظاهر في أن القتل كان في زمانه، ولعل النسخة كان فيها تحريف).

المصدر: معجم رجال الحديث / السيد الخوئي - ج ١٤ ص258 الى ٢٦٣.

[23] ورد فيه جرح وتعديل من علماء عدة. قال السيّد محسن الأمين في اعيان الشيعة: «اختلف أصحابنا في وثاقته وعدمها، بل في صحّة عقيدته وعدمها، ونُسب إلى الغلو، بل قيل: إنّه كان خطّابياً، فمَن زعم عدم وثاقته لم يقبل روايته، ومَن زعم فساد عقيدته بالغلو تبرّأ منه، وهذا دأب أصحابنا مع كلّ غال، وهو ممّا نفاخر به، وكيف كان فليس له اتّباع ينسبون إليه، على أنّ الذي رجّحه المحقّقون من أصحابنا وثاقته وبراءته من الغلو».

[24] اختلف في شأن جابر بن يزيد الجعفي بين ذام ومادح، والظاهر ان السيد الخونساري من النوع الأول. وفي هذا الصدد كتب السيد كاظم الحائري تقريراً لبحث السيد محمد باقر الصدر: (وجابر بن يزيد أحد هؤلاء الرواة يقول: (دخلت على الإمام الباقر(عليه السلام)وأنا شاب، فأعطاني كتاباً للحفظ عندي، وكتاباً آخر لحديث الناس به). ويقول أيضاً: (إنّ الإمام حدّثني بسبعين ألف حديث ولم يأذن لي بأن اُحدّث به، فأذهب إلى حفيرة واُحدّثها به). ونحو ذلك من الاُمور التي لو ضممناها إلى شهادة الأكابر من سلفنا الصالح يحصل لنا الظنّ القويّ بأنّ مثل مذاق هذا الشخص يريد غلق أبواب المعرفة وحكرها لنفسه، وجعل الإسلام أمراً عجيباً لا يصل إليه إلّا مَن كان مثله من الناس، فبحساب الاحتمالات يحصل الظنّ القويّ بكذب هذه الروايات، وكونها من إيحاءات هذا الذوق الذي كان اتّجاهاً عامّاً في جماعة من غير سلفنا الصالح من أمثال زرارة، ومحمّد بن مسلم من فقهاء ظاهر الشريعة الذين أخذنا عنهم أحكامنا، وذاك الاتّجاه هو مسلك تعقيد المطالب، وتأويل القضايا الدينيّة بما لا يناسب ذوق اُولئك السلف الصالح).

المصدر: مباحث الاُصول للسيد كاظم الحائري - القسم الثاني، الجزء الثاني، ص233 و234.

وقال النجاشي في رجاله: (كان في نفسه مختلطا، و كان شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله) ينشدنا أشعارا كثيرة في معناه تدل على الاختلاط).

[25] الظاهر المقصود بكتاب (مجالس الشيخ) هو كتاب (الأمالي) للشيخ الطوسي، وقد نقده بعض العلماء وشككوا بصحة نسبته لمؤلفه. منهم: آية الله كمره اي في مقدمة ترجمته لكتاب الأمالي للشيخ الصدوق. ويعد المرحوم محمد باقر كمره‌اي في مقدمة ترجمة كتاب الأمالي للشيخ نقاط الضعف للكتاب ويقول: ضمن الأخبار الموجودة في الكتاب نرى مضامين ضعيفة و مورداً للجدل في الظاهر و نستطيع أن نشير إلى هذه النقاط كنقاط الضعف:

إيراد أخبار بعيدة عن التصديق الذهني ومبالغ فيها حول بعض الأعمال المستحبة والعبادات مثل أخبار فضيلة الصيام في كل يوم من أيام شهر الشعبان أو شهر الرجب.

وجود أخبار بعيدة عن تصديق أذهان الموجودين حول أوضاع المحشر والقيامة والمعراج وعذاب أهل النار. مثل أن أحد أضراس الكفار في القيامة يعادل جبل أحد.

وجود أخبار حول تطبيق آيات بعض السور القرآنية على المصاديق المعينة ونقل بعض شأن نزول‌ بعض الآيات المخصوصة التي لا ينطبق على تاريخ نزول الآيات. مثل تطبيق آيات و النجم على منجم نزل في بيت على (ع) أيام مرض وفاة النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم حتى يعينه للخلافة والحال أنّ السورة مكية النزول.

في الإجابة عن هذه الاعتراضات لا بد لنا أن ندرس القضية من منظارين:

أولا: كثيراً من هذه الأخبار متشابهة وتحتوي مطالب غير ملموسة وراجعة إلى وقائع المستقبل والآخرة، نجد في نفس القرآن المجيد آيات محكمة و آيات متشابهة والمقصود من الآيات المحكمة آيات تنطوي مفاهيم بينة ودستورات عملية. مثل آيات الأحكام وآيات أخلاقية و آيات تشتمل على قصص قرآنية التي المقصود منها تعليم المطالب الأخلاقية والمواعظ والإنذار...

ثانياً: من جهة الدّقة في ضبط الحديث وإثبات نسبته إلى مصنفه الكبير الشيخ الصدوق (ره)، لا بدّ لنا أن نذكر ان كثيراً من الكتب الموجودة من العلماء الماضين خاصة القرون الإثني عشر الماضية، لا يوجد لها سند متصل.

المصدر: أمالي شيخ صدوق / ترجمة الى الفارسية / المترجم الشيخ آية الله كمره اي / از انتشارات كتابحانه اسلامية  حاج سيد محمد کتابچی ۱۳۶۲هـ شمسي ۱۴۵۴هـ قمري/ تهران خيابان پامنار  - ص (و-ز). ونقلنا الترجمة عن:

 الموقع الالكتروني ويكي الشبعة، صفحة بعنوان: الأمالي (للشبخ الصدوق)، عبر الرابط:  

https://bit.ly/3aHINKd

وربما يكون مقصوده أمالي الشيخ الطوسي، وقد أشار الشيخ محمد آصف محسني انه أيضاً من كتب الوجادة التي لم تصل عن طريق المناولة (العنعنة).

المصدر: مشرعة بحار الأنوار / الشيخ محمد آصف محسني / مكتبة العزيزي في قم المقدسة، 1423هـ – ج1 ص14.

[26] الظاهر المقصود به كتاب (كشف الغمة في معرفة الأئمة) ومؤلفه أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي (متوفى سنة 693هـ). ولا اعرف سبب ذكر السيد الخوانساري لهذا الكتاب في هذا الموضع، وربما يكون لأن هذا الكتاب كتبه مؤلفه خالٍ من الاسناد، وربما وجد السيد الخوانساري فيه بعض ما ينسبه للغلو، والله اعلم.

[27] مطبوع بعنوان (الروضة في فضائل أمير المؤمنين (ع) لشاذان بن جبرئيل القمي، الوفاة ن 660هـ / تحقيق علي الشكرجي / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / الطبعة الولى، 1423هـ. وهو من كتب الوجادة، ولا أسانيد لرواياته.

[28] وكتابه مطبوع بأسم (الفضائل لأبن شاذان القمي) / تأليف ابن شاذان قمي، أبو الفضل شاذان بن جبرئيل / تاريخ الوفاة حدود 600 ق / ناشر: رضى‌ في قم المقدسة ، سنة 1263ش.

[29] الحافظ ابن البطريق شمس الدين يحيى بن الحسن الأسدي الربعي الحلي (523 - 600 ه‍).

[30] أسمه: عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار.

[31] أسمه: خصائص الوحي المبين.

[32] لم يبين السيد الخونساري سبب ذكر السيد الرضي في هذا الموضع. ولعله بسبب بعض ما ذكر في كتابه (خصائص الأئمة عليهم السلام) من بعض الغرائب من قبيل ان المشركين قبضوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدما وجدوه في فراش النبي (صلى الله عليه وآله) وضربوه حتى تورّم جسده الشريف ثم حبسوه! وكذلك نقله فيه عن هارون بن موسى بن أحمد المعروف بالتلعكبري المعروف بقصصه العجيبة {راجع بحثنا: مناقشة مضمون ومصادر حديث الفرج}! وغرائب أخرى مروية فيه!!

المصدر: خصائص الأئمة (عليهم السلام) / الشريف الرضي (متوفى 406هـ) / الدكتور محمد هادي الأميني / الناشر: مجمع البحوث الإسلامية الأمور الفنية مؤسسة طبع ونشر الآستانة الرضوية المقدسة ، 1406هـ - ص58 وغيرها.

[33] لم يبين السيد الخونساري سبب ذكره لأبن طاووس في هذا الموضع، غير اننا وجدنا ابن طاووس ينقل ما يدعى يـ "دعاء الفرج" بلفظ (يا محمد يا علي إكفياني) إلخ، تارة ينقله في كتابه (فرج المهموم)عن كتاب ابن جرير بن رستم الطبري (دلائل الإمامة). وتارة يذكره في كتابه (جمال الاسبوع) بدون الاشارة الى مصدر. راجع بحثنا الموسوم (مناقشة مضمون ومصادر دعاء الفرج).

[34] لم يتبين لي مقصود السيد الخونساري بالعلوج الثلاثة الذين ادعوا النصرانية وافسدوها، وربما يقصد المذاهب النصرانية الكبيرة الثلاثة: الكاثوليك والآرثوذكس والبروتستانت. مع العلم ان الذي افسد دعوة المسيح (عليه السلام) بعد رفعه الى السماء هو شاول الطرسوسي الملقب بالأسم الروماني (بولس)، وكان يهودياً متعصباً على مذهب الفريسييين ثم اعلن فجأة ايمانه بالمسيح وانه الاب الوحيد للإله الذي اطلق عليه بدوره أسم (الأب) وأصبح يطلق على المسيح (عليه السلام) صفة (الرب) و(ابن الإله) وانه المولود الوحيد من الأب (الإله) وازلي في نفس الوقت وانَّه هو (الخالق) للكون والمدبر لأمور البشر! والظاهر انَّ بولس كان متأثراً بالفلسفة اليونانية التي تقول بوجود الفيض الصادر عن الإله من الأزل وأن الإله صدر عنه صادر وحيد في الأزل اطلقوا عليه الصادر الأول، وتبنى فلاسفة المسلمين ومتصوفتهم نفس الفكرة وحاولوا أسلمتها فأطلقوا على الصادر الأول أسم (العقل الأول) و(الحقيقة المحمدية)! وتبنى المغالون المتظاهرون بالتشيّع هذه الأفكار وقالوا انَّ الحقيقة المحمدية التي منها الحقيقة العلوية وباقي حقائق آل البيت الأطهار (عليهم السلام) وهي التي خلقت الكون وهي التي ترزق وتحيي وتميت الخ ... فالفكر المغالي متناغم مع الفكر المسيحي بطبيعته الشركية.

[35] الظاهر انه يقصد زعيم دعوة البابية علي بن محمد رضا الشيرازي الذي اعدم رمياً بالرصاص في مدينة تبريز سنة 1850م.

[36] منها ما في الأمالي للشيخ الصدوق بسنده: (ثم قال الصادق (عليه السلام): يا علقمة، ما أعجب أقاويل الناس في علي (عليه السلام)! كم بين من يقول: إنه رب معبود، وبين من يقول: إنه عبد عاص للمعبود! ولقد كان قول من ينسبه إلى العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلى الربوبية).

[37] الشاه سليمان

[38] روضات الجنات فی احوال العلماء و السادات المؤلف / السيد محمد باقر الموسوي الخوانساري  - ج3 ص337.

[39] طبعة تفسير فرات الصادرة عن (مؤسسة الطبع و النشر في وزارة الإرشاد الإسلامي‌) سنة 1410هـ في ايران والتي حققها الاستاذ (محمد الكاظم) – ص11.

[40] الخرائج والجرائح / قطب الدين الراوندي / مؤسسة الامام المهدي (عليه السلام) – قم المقدسة / الطبعة الاولى، 1409هـ.

[41] مشرعة بحار الأنوار / الشيخ محمد آصف محسني / مكتبة العزيزي في قم المقدسة، 1423هـ – ج1 ص14 و15.

[42] مباحث الاصول تقريراً لابحاث سماحة آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) / السيد كاظم الحائري / مطبعة مركز النشر، مكتب الاعلام الاسلامي، قم المقدسة / الطبعة الاولى 1407هـ - ق2 ج2 ص350.

[43] في هامش المصدر: الخصال لشيخنا الصدوق.

ومن الواضح انه بناءً على فرض صحة الرواية فإنَّ المقصود من عبارة (وقولوا في فضلنا ما شئتم) هو من حيث كونهم عبيد مربوبين لله تبارك وتعالى بكل ما لهم من صفات البشرية، لا كما يفعل البعض من ان يلتفوا على معنى الحديث فينسبون لهم شؤون الربوبية (كالخلق والرزق والشفاء) دون صفة الربوبية ويحسبون انَّهم بذلك خرجوا عن الإشكال الشرعي!!

[44] في هامش المصدر: بصائر الدرجات للصفار. وراجعت الرواية في هذا المصدر فوجدت نصها: [حدثنا احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن برده عن ابي عبد الله (عليه السلام) وعن جعفر بن بشير الخزّاز عن اسماعيل بن عبد العزيز قال قال ابو عبد الله (عليه السلام): (يا اسماعيل ضع لي في المتوضّاء ماء)، قال فقمت فوضعت له قال فقلت في نفسي انا اقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضّاء، قال فلم يلبث أن خرج فقال: (يا اسماعيل لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم اجعلونا مخلوقين وقولوا بنا ما شئتم ولن تبلغوا)]. وفي هامش المصدر في البحار (فينا) بدل من (بنا). انظر: بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى الله عليه وآله) / ابو جعفر محمد بن الحسن الصفار القمي / صححه وعلق عليه الحاج ميرزا محسن كوجه باغي التبريزي / منشورات مكتبة آية الله العظمة المرعشي النجفي، قم المقدسة – ايران، 1404هـ - ج5 ص236. باب (في الأئمة انهم يعرفون الاضمار وحديث النفس قبل ان يخبروا به).

[45] في هامش المصدر: من قولنا: فمن ذا الذي يبلغ. إلى هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكليني ثقة الاسلام في أصول الكافي ص 99 عن الإمام الرضا صلوات الله عليه.

[46] بخصوص هذا الشعر المنسوب للامام علي السجاد (عليه السلام) وبيان زيف هذه النسبة، راجع مقالنا الموسوم: (إفتراء صوفي على الإمام السجاد (عليه السلام))، منشور في موقع كتابات في الميزان بتاريخ 22/9/2021م، عبر الرابط:

https://www.kitabat.info/subject.php?id=160527

[47] ألا يكفيك قوله مخاطباً أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بأن له أسماءً حسنى، وما في ذلك من تشبيه برب العزّة تعالى عمّا يصفون:

بأسمائك الحسنى أروح خاطري * إذا هب من قدس الجلال نسيمها

وقال ايضاً مصرّحاً بالتفويض:

فهم عترة قد فوض الله أمره * إليهم لما قد خصهم منه بالمنن

 

[48] الغدير / العلامة الأميني – ج7 ص33 وما بعدها.

[49] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 1 - ص 10

[50] الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 - ص 39

[51] أمل الآمل / الحر العاملي / تحقيق السيد احمد الحسيني / دار الكتاب الاسلامي / مكبعة نمونه في قم المقدسة، 1362هـ.ش - ج2 ص118.

[52] طرائف المقال / السيد علي البروحردي / تحقيق السيد مهدي رجائي / مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة – قم المقدسة / الطبعة الاولى، 1410هـ - ج2 ص162.

[53] "اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي، ج ٢، ص 489

[54] صاحب كتاب "العروة الوثقى".

[55] التعارض / السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي / موسسه انتشارات مدين - قم المقدسة / الطبعة الاولى، ١٤٢٦هـ - ج١ ص٤٢٩.

[56] الخصال / الشيخ الصدوق – حديث اربعمائة.

[57] معجم رجال الحديث / السيد ابو القاسم الخوئي - ج٣ - ص١٤٦.

[58] معجم رجال الحديث / السيد ابو القايم الخوئي – ج18 ص(120-126).

[59] قبسات من علم الرجال /ابحاث السيد محمد رضا السيستاني ، نظمها السيد محمد البكاء – ج1 517.

[60] الفهرست / الشيخ الطوسي - ص 106

[61] رجال ابن الغضائري / أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي - ص 49

[62] جامع الرواة - محمد علي الأردبيلي - ج 1 - ص 197.

[64] رجال النجاشي - النجاشي - ص 167.

[65] رجال ابن الغضائري - أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي - ص 86

[66] خلاصة الأقوال - العلامة الحلي - ص 389

[67] رجال ابن داود - ابن داوود الحلي - ص 267

[68] التحرير الطاووسي - ص 553

[69] طرائف المقال - السيد علي البروجردي - ج 1 - ص 340.

[70] جامع الرواة - محمد علي الأردبيلي - ج 2 - ص 22.

[71] معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 15 - ص 68

[72] مباني تكملة المنهاج / السيد الخوئي– ج1 ص141.

[73] قبسات من علم الرجال /السيد محمد رضا السيستاني – ج2 ص349.

[74] بحث في وثاقة رجال كامل الزيارات / السيد محمد رضا السيستاني / منشور في الموقع الالكتروني (صدى النجف)، عبر الرابط: https://echo-najaf.blogspot.com/2021/01/blog-post_17.html

[75] بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (صلى الله عليه وآله) / ابو جعفر محمد بن الحسن الصفار القمي / صححه وعلق عليه الحاج ميرزا محسن كوجه باغي التبريزي / منشورات مكتبة آية الله العظمة المرعشي النجفي، قم المقدسة – ايران، 1404هـ - ج5 ص236. باب (في الأئمة انهم يعرفون الاضمار وحديث النفس قبل ان يخبروا به).

[76] ذكرنا في صفحات سابقة رأي السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) في كتاب (بصائر الدرجات).

[77] منشور في الموقع الالكتروني لمجلة نصوص معاصرة، بتاريخ 14 ايلول / سبتمبر 2018م، عبر الرابط:

https://bit.ly/3ky28yM

[78] نكرر أن المشكلة العقائدية هي مع (العرفان النظري) وليس مع ما اصطُلح عليه بـ (العرفان العملي) الذي هو في حقيقته تربية النفس وتهذيبها في طريق تقوى الله تبارك وتعالى ومرضاته.

[79] والمصيبة انهم يقولون بأنَّ هذا الصدور قديم! أي حيثما كان الله تبارك وتعالى كان هذا الصدور، وهو نفس مفهوم المسيحية حول المسيح الابن الوحيد المولود للإله منذ القِدَم!! نستجير بالله من الخذلان!!

[80] حركة الترجمة في بلاد الشام في العصر الاموي، 41-132هـ / بقلم الدكتور حالد يوسف صالح / منشور في مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية، المجلد 11، العدد1، 2011م - ص239 و240.

[81] من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق – ج1 ص290.

[82] الموافق (1572-1640)م.

[83] الموافق (1793-1843)م.

[84] تفسير عبد الله شبر، في تفسير الآية الكريمة رقم (19) من سورة الانشقاق.

[85] رسالة من سماحة السيد حسين المدرسي الطباطبائي تشرفت باستلامها يوم 13/4/2022م.

[86] الاقتصاد / الشيخ الطوسي / منشورات مكتبة جامع چهلستون – طهران / مطبعة الخيام – قم المقدسة، 1400هـ - ص 213

[87] صدرت أول طبعه في إيران عام 1951م.

[88]) مقال بعنوان " الإمام محيط بعوالم الوجود ..." في موقع "كتابات في الميزان".

[89] الشهيد الخالد الحسين بن علي (عليه السلام) / آية الله الشيخ نعمت الله صالحي نجف آبادي / ترجمة د. سعد رستم / اصدار الانتشار العربي - ص40 و41.

[90] نكرر أن المشكلة العقائدية هي مع (العرفان النظري) وليس مع ما اصطُلح عليه بـ (العرفان العملي) الذي يعني تربية النفس وتهذيبها في طريق تقوى الله تبارك وتعالى ومرضاته.

[91] السيد المدرسي هنا يتحدث عن وسط يتحدث اللغة الفارسية حيث يجد بعضهم يتمسك بأي نص باللغة العربية منسوب الى الأئمة الأطهار (عليهم السلام) دون تدقيق لمصدره وهل هو موثوق ومعتبر أم لا، لمجرد أنه ورد باللغة العربية!! وفي المقابل في البيئة العربية هناك من يتمسك بأي نص لمجرد وروده في أي كتاب شيعي، ولا سيما بحار الأنوار، دون تدقيق لمصدره في البحار ولا إعتباره!!

[92] نذكر منهم على سبيل الاختصار لا الحصر، في العقود المتأخرة: الشيخ الانصاري، السيد الميرزا المجدد الشيرازي، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، الميرزا محمد تفي الشيرازي، السيد ابو الحسن الاصفهاني، السيد حسين البروجردي، السيد محسن الحكيم، السيد ابو القاسم الخوئي، السيد الكلبايكاني، السيد السيستاني (رضوان الله عليهم اجمعين وحفظ سماحة السيد السيستاني من كل سوء ودام ظله الوارف).

[93] الموقع الالكتروني (مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث)، عنوان الصفحة (مصدر رواية نحن حجج الله على خلقه)، عبر الرابط: https://www.aletra.org/print.php?id=785

[94] الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ حيدر حب الله، صفحة بعنوان (ما صحّة حديث {نحن حجج الله، وفاطمة حجة الله علينا}؟ وما معناه؟)، منشور بتاريخ 12/5/2014م، عبر الرابط: https://bit.ly/3JFD0QJ

[95] سورة الكهف، الآية (104).

[96] راجع كتابنا (شمس التشيّع وسحابة ملا صدرا).

[97] بشارة المصطفى - محمد بن علي الطبري / تحقيق جواد القيومي الإصفهاني / مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين بقم المشرفة / الطبعة الأولى، 1420هـ - ص 153

[98] فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب / الحافظ شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي / قدم له وخرّج احاديثه فوّاز أحمد الزمرلي ومحمد المعتصم بالله البغدادي / دار الكتاب العربي في بيروت / الطبعة الأولى، 1407هـ، 1987م - ج2 ص227.

[99] الاربعون حديثا عن أربعين شيخا من أربعين صحابيا في فضائل الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام / الشيخ الاقدم منتجب الدين علي بن عبيد الله بن بابويه الرازي من أعلام القرن السادس / تحقيق و نشر مدرسة الامام المهدي (عليه السلام) - قم المقدسة - ص٤٤.

[100] المناقب / الموفق بن أحمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي / تحقيق فضيلة الشيخ مالك المحمودي / مؤسسة سيد الشهداء (ع) ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة / الطبعة الثانية، 1411هـ - ص75 و76.

[101] الفضائل / شاذان بن جبرئيل القمي / منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف، 1381هـ، 1962م - ص 96

[102]  - الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام / الشيخ شاذان بن جبرئيل القمي / تحقيق الشيخ علي الشكرجي / الطبعة الأولى، 1423هـ - ص28.

[103] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) / للشيخ الصدوق - ج١ص٢٧٢.

[104] الأربعون حديثاً / الشيخ سليمان الماحوزي البحراني / تحقيق السيد مهدي الرجائي / مطبعة أمير /  الطبعة الأولى، 1417ه‍ - ص ١٠٥

[105] راجع كتابنا (شمس التشيّع وسحابة ملا صدرا).

[106] مقال بعنوان (إعادة النصاب، قراءة نقديّة لمقالة – العقل والدين بين المحدّث والحكيم) بقلم الشيخ علي ملكي الميانجي، ترجمة محمد عبد الرزاق، منشور في موقع نصوص معاصرة الالكتروني بتاريخ 16 اغسطس 2014م. وأيضاً المقال منشور في مجلة نصوص معاصرة، العدد 7.

[107] قم المقدسة رائدة الحضارة / السيد محمد الشيرازي / مرکز القائمیۀ باصفهان للتحریات الکمبیوتریۀ – ص185.

[108] كتابنا: شمس التشيع وسحابة ملا صدرا (اصدار الكتروني).

[109] الآية (53) من سورة الزمر.

[110] الآية (110) من سورة يوسف (عليه السلام).

[111] الآية (11) من سورة الرعد.

[112] سورة الإسراء الآية (81).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لوازم الغلو في التفسير بالرأي لقوله تعالى: ((فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ))